فنونا
في الأحاديث، و إنما لنا فنّ واحد؛ فإن رأيت ألّا تحملني على أكتاف قومك فأدعهم
حرضا [1]!. فقلت: لا أعرض لك في شيء من الشعر أبدا، فأقلني في هذه المرّة. قال:
من يتكفّل بك؟ قلت: أمير المؤمنين. فقال عبد الملك: هو عليّ ألّا يعرض لك أبدا؛ ثم
قال: يا شعبيّ، أيّ نساء الجاهليّة أشعر؟ قلت: خنساء. قال: و لم فضّلتها على
غيرها؟ قلت: لقولها:
ثم قال: يا
شعبيّ، لعلّك شقّ عليك ما سمعت. قلت: إي و اللّه يا أمير المؤمنين أشدّ المشقّة.
إني أحدّثك منذ شهرين لم أفدك [6] إلّا أبيات النابغة في الغلام. قال: يا شعبيّ،
إنما أعلمتك هذا لأنه بلغني أنّ أهل العراق يتطاولون على أهل الشام، يقولون: إن
كانوا غلبونا على الدولة فلم يغلبونا على العلم و الرواية؛ و أهل الشأم أعلم بعلم
أهل العراق من أهل العراق؛ ثم ردّ عليّ الأبيات أبيات ليلى [7] حتى حفظتها، و لم
أزل عنده؛ فكنت أوّل داخل و آخر خارج. قال: فمكثت كذلك سنين [8]، و جعلني في ألفين
من العطاء و عشرين رجلا من ولدي و أهل بيتي في ألفين ألفين؛ فبعثني إلى أخيه عبد
العزيز بن مروان بمصر و كتب إليه: يا أخي، إني قد بعثت إليك الشعبيّ، فانظر هل
رأيت مثله قطّ؟! ثم أذن فانصرفت.
[1]
الحرض (بالتحريك) الرديء من الناس. يريد: أجعلهم بهجائي من أراذل الناس. و الحرض
يوصف به المفرد مذكرا و مؤنثا و المثنى و الجمع بلفظ واحد لأنه مصدر. و يقال رجل
حرض (بكسر الراء) و حارض؛ و هذان الوصفان مؤنثان و يثنيان و يجمعان.
[2] في
الأصول: «و الناس». و التصويب من «أمالي السيد المرتضى» (ج 3 ص 105).
[3] هي ليلى
أخت المنتشر بن وهب الباهلي- و قيل الدعجاء أخته- ترثيه بقصيدة منها هذان البيتان.
و الذي في «الكامل» للمبرد أن هذين البيتين من قصيدة لأعشى باهلة يرثي بها المنتشر
هذا.
[4] مهفهف
الكشح: ضامره. و هفهفة السربال: رقته و خفته. و منخرق عنه القميص أي «لا يبالي كيف
كانت ثيابه لأنه لا يزين نفسه، إنما يزين حسبه و يصون كرمه. و قيل معناه أنه غليظ
المناكب، و إذا كان كذلك أسرع الخرق إلى قميصه. و قيل:
أرادت أنه
كثير الغزوات متصل الأسفار؛ فقميصه منخرق لذلك». بهذا شرح أبو زكريا التبريزي قول
ليلى الأخيلية في «ديوان الحماسة»: