و كانت قد أخذت عنه و أحسنت إليه فناح عليها، ثم ناح بعدها على يزيد
بن عبد الملك، ثم لم ينح بعده حتى هلك.
قال: و لمّا
عدل ابن سريج عن النّوح إلى الغناء عدل معه الغريض إليه، فكان لا يغنّي صوتا إلا
عارضه فيه.
ابن سريج و
عطاء بن أبي رباح
أخبرني رضوان
بن أحمد الصيدلانيّ قال حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال:
حدّث [1] إسحاق
بن إبراهيم الموصليّ أبا إسحاق إبراهيم بن المهديّ و أنا حاضر أنّ يحيى المكّيّ
حدّثه أن عطاء بن أبي رباح لقي ابن سريج بذي طوىّ [2]، و عليه ثياب مصبّغة و في
يده جرادة مشدودة الرّجل بخيط يطيّرها و يجذبها به كلّما تخلّفت [3]؛ فقال له
عطاء: يا فتّان، أ لا تكفّ عما أنت عليه! كفى اللّه الناس مئونتك. فقال ابن سريج:
و ما على الناس من تلويني ثيابي و لعبي بجرادتي؟ فقال له: تفتنهم أغانيك/ الخبيثة.
فقال له ابن سريج:
سألتك بحقّ من
تبعته من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بحقّ رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم عليك، إلّا ما سمعت منّي بيتا من الشعر، فإن سمعت منكرا
أمرتني بالإمساك عما أنا عليه. و أنا أقسم باللّه و بحقّ هذه البنيّة لئن أمرتني
بعد استماعك منّي بالإمساك عما أنا عليه لأفعلنّ ذلك. فأطمع ذلك عطاء في ابن سريج،
و قال: قل. فاندفع يغنّي بشعر جرير:
- لحن ابن سريج هذا [7] ثقيل أوّل بالوسطى عن
ابن المكّيّ و الهشاميّ، و له أيضا فيه رمل. و لإسحاق فيه رمل آخر بالوسطى. و فيه
هزج بالوسطى ينسب إلى ابن سريج و الغريض- قال: فلمّا سمعه عطاء اضطرب اضطرابا
شديدا و دخلته أريحيّة، فحلف ألّا يكلّم أحدا بقية يومه إلا بهذا الشّعر، و صار
إلى مكانه من المسجد الحرام؛ فكان كلّ من يأتيه سائلا عن حلال أو حرام أو خبر من
الأخبار، لا يجيبه إلا بأن يضرب إحدى يديه على الأخرى و ينشد
-
على أنه بتخفيف الباء أيضا و هو:
أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر
ما للفؤاد سوى ذكراكم و طر
إن سار صحبي لم أملك تذكركم
أو عرّسوا فهموم النفس و السهر
[1] كذا في ت، ح، ر. و في سائر النسخ: «قال
حدّثنا يوسف بن إبراهيم قال حدّثنا إسحاق الموصليّ أن أبا إسحاق إبراهيم بن
المهديّ قال الخ» و هو من تحريف النساخ.
[3] في ت:
«تحلقت» و لم نجد فيما بين أيدينا من «كتب اللغة» هذه الصيغة بمعنى حلق الطائر إذا
ارتفع في الهواء و استدار كهيئة الحلقة. و يستأنس لذلك بما ورد في شعر مهيار
الديلميّ في قوله:
و زاد عزا أنفسا تحلّقت
فوق السها و ما انتهت أقدارها
[4] الوشل: الماء و الدمع القليل و الكثير. و
المراد هنا الدمع الكثير.
[5] المعين:
الجاري السائل على وجه الأرض. و قد قيل في اشتقاقه إنه اسم مفعول من عان الماء:
أساله. و قيل هو اسم مفعول لا فعل له، و قيل هو صفة مشبهة من معن الماء يمعن فهو
معين إذا جرى و سال. (انظر «اللسان» مادتي عين و معن).