هذا الشّعر [1] حتى صلّى المغرب، و لم يعاود ابن سريج بعد هذا و لا
تعرّض له.
ابن سريج و
يزيد ابن عبد الملك
أخبرني جعفر بن
قدامة قال حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه، و أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثني
الفضل بن محمد اليزيديّ قال حدّثني إسحاق عن ابن جامع عن سياط عن يونس الكاتب قال:
لمّا قال عمر
بن أبي ربيعة:
نظرت إليها بالمحصّب من منى
و لي نظر لو لا التّحرّج عارم
غنّى فيه ابن
سريج.
قال: و حجّ
يزيد بن عبد الملك في تلك السنة بالناس، و خرج عمر بن أبي/ ربيعة و معه ابن سريج
على نجيبين رحالتاهما [2] ملبستان بالدّيباج، و قد خضبا النجيبين و لبسا حلّتين،
فجعلا يتلقّيان الحاجّ و يتعرّضان للنساء إلى أن أظلم الليل، فعدلا إلى كثيب مشرف
و القمر طالع يضيء، فجلسا على الكثيب، و قال عمر لابن سريج: غنّني صوتك الجديد؛
فاندفع يغنّيه، فلم يستتمّه إلا و قد طلع عليه رجل راكب على فرس عتيق، فسلّم ثم
قال: أ يمكنك- أعزّك اللّه- أن تردّ هذا الصوت؟ قال: نعم و نعمة عين [3]، على أن
تنزل و تجلس معنا. قال: أنا أعجل من ذلك، فإن أجملت و أنعمت أعدته! و ليس عليك من
وقوفي شيء و لا مئونة، فأعاده. فقال له: باللّه أنت ابن سريج؟ قال نعم. قال:
حيّاك اللّه! و هذا عمر بن أبي ربيعة؟ قال نعم. قال: حيّاك اللّه يا أبا الخطّاب!
فقال له: و أنت فحيّاك اللّه! قد عرفتنا فعرّفنا نفسك. قال: لا يمكنني ذلك. فغضب
ابن سريج و قال: و اللّه لو كنت يزيد بن عبد الملك لما زاد. فقال له: أنا يزيد بن
عبد الملك. فوثب إليه عمر فأعظمه،/ و نزل ابن سريج إليه فقبّل ركابه؛ فنزع حلّته و
خاتمه فدفعهما إليه، و مضى يركض حتى لحق ثقله. فجاء بهما ابن سريج إلى عمر فأعطاه
إياهما، و قال له: إنّ هذين بك أشبه منهما بي. فأعطاه عمر ثلاثمائة دينار و غدا
فيهما إلى المسجد، فعرفهما الناس و جعلوا يتعجّبون و يقولون: كأنهما و اللّه حلّة
يزيد بن عبد الملك و خاتمه، ثم يسألون عمر عنهما فيخبرهم أنّ يزيد بن عبد الملك
كساه ذلك.
و أخبرني بهذا
الخبر جعفر بن قدامة أيضا قال و حدّثني ابن عبد اللّه بن أبي سعيد قال حدّثني عليّ
بن الصّبّاح عن ابن الكلبيّ قال:
غناء ابن
سريج في طريق الحاج و وقفه الناس بحسن غنائه
حجّ عمر بن أبي
ربيعة في عام من الأعوام على نجيب له مخضوب بالحنّاء مشهّر الرّحل بقراب [4]
[2] الرحالة:
سرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد يكون للخيل و النجائب من الإبل. و في ب،
س: «راحلتاهما» و هو تحريف.
[3] نعمة
عين: مثلثة النون. قال سيبويه: نصبوه على إضمار الفعل المتروك إظهاره أي أفعل ذلك
كرامة لك و إنعاما لعينك (أي قرّة لها).
[4] قال
الأزهريّ: قراب السيف: شبه جراب من أدم يضع الراكب فيه سيفه بجفنه و سوطه و عصاه و
أداته. و قال ابن الأثير: هو شبه الجراب يطرح فيه الراكب سيفه بغمده و سوطه و قد
يطرح فيه زاده من تمر و غيره.