/ فاستحسن الناس ذلك منه، و كان أوّل ما ندب
[3] به.
قال ابن جامع:
و حدّثني جماعة من شيوخ أهل مكة أنهم حدّثوا: أنّ سكينة بنت الحسين عليهما السّلام
بعثت إلى ابن سريج بشعر أمرته أن يصوغ فيه لحنا يناح به، فصاغ فيه، و هو الآن داخل
في غنائه. و الشعر:
يا أرض ويحك أكرمي أمواتي
فلقد ظفرت بسادتي و حماتي
فقدّمه ذلك عند
أهل الحرمين على جميع ناحة مكة و المدينة و الطائف.
قال و حدّثني
ابن جامع و ابن أبي الكنّات [4] جميعا: أن سكينة [5] بعثت إليه بمملوك لها يقال له
عبد الملك، و أمرته أن يعلّمه النّياحة، فلم يزل يعلّمه مدّة طويلة، ثم توفّي
عمّها أبو القاسم محمد بن الحنفيّة عليه السّلام، و كان ابن سريج عليلا علّة صعبة
فلم يقدر على النّياحة. فقال لها عبدها عبد الملك: أنا أنوح لك نوحا أنسيك به نوح
ابن سريج. قالت: أو تحسن ذاك؟ قال نعم. فأمرته/ فناح؛ فكان نوحه في الغاية من
الجودة، و قال النساء: هذا نوح غريض؛ فلقّب عبد الملك الغريض. و أفاق ابن سريج من
علّته بعد أيام و عرف خبر وفاة ابن الحنفيّة، فقال لهم:
فمن/ ناح عليه؟
قالوا: عبد الملك غلام سكينة. قال: فهل جوّز [6] الناس نوحه؟ قالوا: نعم و قدّمه
بعضهم عليك. فحلف ابن سريج ألّا ينوح بعد ذلك اليوم، و ترك النوح و عدل إلى
الغناء، فلم ينح حتى ماتت حبابة [7]،
[1]
السفاح: جمع سافح من سفح الدمع سفحا و سفوحا و سفحانا: انصبّ. و يقال أيضا: سفحت
العين الدمع سفحا و سفوحا، إذا أرسلته.
[2] البطاح:
جمع بطحاء. و البطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى. و قريش البطاح كما قال ابن الأعرابي:
الذين ينزلون الشعب بين أخشبي مكة، و قريش الظواهر: الذين ينزلون خارج الشعب، و
أكرمهما قريش البطاح. و قال الزبير بن أبي بكر: قريش البطاح بنو كعب بن لؤيّ، و
قريش الظواهر ما فوق ذلك، سكنوا البطحاء و الظواهر. و قبائل بني كعب منهم عديّ و
جمح و سهم و تيم و مخزوم و زهرة و أسد و عبد مناف، كل هؤلاء قريش البطاح. و أما
قريش الظواهر فهم بنو عامر بن لؤيّ؛ و إنما سموا بذلك لأن قريشا اقتسموا فأصاب
الأوّلون البطحاء و أصاب الآخرون الظواهر. فهذا تعريف للقبائل لا للمواضع، فإن
البطحاويين لو سكنوا الظواهر كانوا بطحاويين، و كذلك الظواهر لو كانوا سكنوا
البطحاء كانوا ظواهر. و قد جمعا معا في قول الشاعر:
فلو شهدتني من قريش عصابة
قريش البطاح لا قريش الظواهر
و قد قيل
بصيغة الجمع و ليس في مكة إلا بطحاء واحدة، لأن العرب تتوسع في كلامها و شعرها
فتجعل الواحد جمعا و مثنى، و ينقلون الألقاب و يغيرونها لتستقيم لهم الأوزان، قال
أبو تمام يمدح الواثق:
يسمو بك السفاح و المنصور و ال
مهديّ و المعصوم و المأمون
و أراد
بالمعصوم المعتصم. و قال ابن نباته:
فأقام باللورين حولا كاملا
يترقب القدر الذي لم يقدر
و ما في
البلاد إلا اللور المعروفة. و إذا صح بإجماع أهل اللغة أن البطحاء الأرض ذات
الحصى، فكل قطعة من تلك الأرض بطحاء.
(انظر
«ياقوت» في مادة البطاح و «ديوان» أبي تمام طبع مصر ص 330).
[3] كذا في
ب، س، ح، ر. و في سائر النسخ: «فكان أوّل ما قدّم به».
[4] لم نعثر
على ضبطه، و قد ورد ذكره في نهاية «الأرب» للنويري في الجزء الرابع في ترجمته:
«الكبات» بالباء. و الكنة: زوج الابن أو الأخ. و ستأتي ترجمته في الجزء السابع عشر
من «الأغاني».
[5] تقدم في
ص 211 من هذا الجزء: أن الثريا بنت عليّ بن عبد اللّه بن الحارث هي التي ربّت
الغريض المغنّي و علمته النوح بالمراثي على من قتله يزيد بن معاوية من أهلها يوم
الحرّة.
[7] ضبط في
«الكامل» لابن الأثير طبع بولاق جزء 5 صفحة 50 سطر 3 بتخفيف الباء الموحدة، إذ
يقول: سلامة بتشديد اللام، و حبابة بتخفيف الباء الموحدة، و ذلك في ذكره لسيرة
يزيد بن عبد الملك. و في ترجمة حبابة في الجزء الثالث عشر من «الأغاني» شعر يدل-