responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب    الجزء : 1  صفحة : 16

و قد أجمع البلاغيون الآخرون‌ [1] على هذا المعنى، و على أن تكون الألفاظ لائقة بالمعنى المقصود و مناسبة له. فاذا كان المعنى فخما كان اللفظ الموضوع له جزلا، و اذا كان المعنى رشيقا كان اللفظ رقيقا، و اذا كان غريبا كان اللفظ غريبا، و اذا كان متداولا كان اللفظ مألوفا.

و مثاله قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‌ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ‌ [2] فعدل سبحانه عن الطين الذي أخبر في كثير من مواضع الكتاب العزيز أنه خلق آدم منه، منها قوله: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ‌ [3] و قوله حكاية عن ابليس: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* [4] فعدل- عزّ و جلّ- عن ذكر الطين الذي هو مجموع التراب و الماء الى ذكر مجرد التراب؛ لأنّه أدنى العنصرين و أكثفهما لما كان المقصود مقابلة من ادعى في المسيح الالهية بما يصغر أمر خلقه عند من ادّعى ذلك، فلهذا كان الاتيان بلفظة التراب أمتن بالمعنى من غيرها من العناصر، و لو كان موضعه غيره لكان اللفظ غير مؤتلف بالمعنى المقصود. و لما أراد- سبحانه- الامتنان على بني اسرائيل بعيسى- عليه السّلام- أخبرهم عنه أنه يخلق لهم من الطين كهيئة الطير تعظيما لأمر ما يخلقه باذنه، إذ كان المعنى المطلوب الاعتداد عليهم بخلقه ليعظموا قدر النعمة به. و من طريف ما يتصل بهذا الفن ما جاء عن بشار فقد قيل له: إنّك لتجي‌ء بالشي‌ء المتفاوت، قال: و ما ذاك؟ قيل: بينما تقول شعرا تثير به النقع و تخلع به القلوب مثل قولك:

إذا ما غضبنا غضبة مضريّة

هتكنا حجاب الشّمس أو قطرت دما

إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة

ذرى منبر صلّى علينا و سلّما

تقول:

ربابة ربّة البيت‌

تصبّ الخلّ في الزيت‌

لها عشر دجاجات‌

وديك حسن الصّوت‌

فقال: لكل شي‌ء وجه و موضع، فالقول الأول جد، و هذا قلته في جاريتي ربابة [5]. و من ذلك قول زهير:

أثافيّ سفعا في معرّس مرجل‌

و نؤيا كجذم الحوض لم يتثلّم‌ [6]

فلما عرفت الدار قلت لربعها

ألا انعم صباحا أيّها الرّبع و اسلم‌

فانه لما قصد إلى تركيب البيت الأول من ألفاظ تدل على معنى عربي لكن المعنى غريب، ركبّه من ألفاظ متوسطة بين الغرابة و الاستعمال، و لما قصد في البيت الثاني الى معنى أبين من الأول و أعرف و إن كان غريبا ركّبه من ألفاظ مستعملة معروفة.

و من هذا الباب ملاءمة الألفاظ في نظم الكلام على مقتضى المعنى لا من مجرد جملة اللفظ، فان الائتلاف من جهة ما تقدم من ملاءمة الغريب للغريب و المستعمل للمستعمل لا من جهة المعنى، بل ذلك من جهة اللفظ. و أما الذي من جهة المعنى فقوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [7]، فانه- سبحانه- لما نهى عن الركون‌


[1] ينظر المصباح ص 113، و خزانة الأدب ص 437، الاتقان ج 2 ص 88، أنوار الربيع ج 6 ص 217، نفحات ص 332، شرح الكافية ص 183.

[2] آل عمران 59.

[3] ص 71.

[4] ص 76.

[5] الأغاني ج 3 ص 162، أنوار الربيع ج 6 ص 218.

[6] الأثافي؛ ما توضع عليه القدر و هي أحجار.

السفع؛ السود. المرجل؛ القدر. النؤي؛ ما يحفر حول الخيمة ليمنع السيل. جذم الحوض؛ أصله. يتثلم؛ يتكسر.

[7] هود 113.

اسم الکتاب : معجم المصطلحات البلاغية و تطورها المؤلف : احمد مطلوب    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست