اسم الکتاب : الهيات المحاكمات المؤلف : الرازي، قطب الدين الجزء : 1 صفحة : 403
و أمّا العناية فهو علم اللّه تعالى[1] بالموجودات على أحسن النظام و الترتيب، و على ما يستحبّ أن يكون لكلّ
موجود من الآلات بحيث يترتّب الكمالات المطلوبة منه عليها. و الفرق بينها و بين
القضاء أنّ في مفهوم العناية تخصيصا و هو تعلّق العلم بالوجه الأصلح و النظام
الأليق بخلاف القضاء، فإنّه العلم بوجود الموجودات جملة.
و اعلم! أنّ الأفعال الصادرة عنّا إنّما تصدر بحسب إرادة و قصد يحدث
لنا متوجّها إلى تحصيل الفعل، ثمّ عزم على ذلك له[2] تحريك للقوّة[3] المحرّكة
إلى أن يحصل ذلك الفعل. و أما المبدأ الأوّل فعنايته أعنى: علمه[4] بالموجودات على النظام الأليق كاف في إفاضة الموجودات و لا يحتاج إلى
إرادة و عزم و قصد كما في أفعالنا. فالله- تعالى- مريد[5] قادر من غير كثرة إلّا في الاعتبار فهو عالم باعتبار أنّه حصل له
الموجودات و صور المعقولات في العالم العقلي، و قادر باعتبار أنّ له أن يفعل و له
أن لا يفعل، فلا شكّ[6] أنّ كونه بهذه الحالّة أمر اعتباري. و له إرادة و عناية باعتبار أنّه
عالم بالموجودات على الترتيب اللائق بها. فهذه الصفات إنّما يخترعها العقل في
اللّه تعالى[7]- باعتبار آثاره و ليس منها شيء موجود في الخارج، بل ليس في الخارج[8] إلّا ذات مجرّدة و معلولات مترتّبة بعضها لازمة لذاته و بعضها حادثة
غير لازمة.
هكذا يجب أن يحقّق!
[78/
2- 319/ 3] قوله: و أمور لا يمكن أن يكون فاضلة فضيلتها إلّا و تكون بحيث يعرض
منها[9]شرّ ما عند ازدحامات الحركات و مصادمات المحرّكات[10].
كالنار، فإنّه ا تقتضي الصعود من الأرض. و إذا صعدت من الأرض إلى
حيّزها لم يكن بدّ من حرق اجسام معترضة في وسط مسافتها. ففضيلة النار و هي غاية الحرارة
لا يحصل إلّا بإفناء ما يصادفها. فهي و إن اقتضت الشرّ في بعض الأوقات إلّا أنّ
وجودها نافع في