فيه ، بل هو إدراك البصر بأحد المعنيين اللذين ذكرناهما ، أعني الإدراك على وجه الإحاطة بجوانب المرئيّ ، والإدراك بالجارحة المخصوصة ؛ لإشعارهما بسمات الحدوث والنقصان ، وذلك في الأوّل ظاهر. وأمّا في الثاني ، فلأنّ الإدراك بالجارحة المخصوصة إنّما يكون لما يقابلها كما علم بالضرورة من التجربة.
وأمّا رؤيته على الوجه المذكور ـ أعني من غير المقابلة ولا توسّط الآلة ، بل بمحض عناية من الله تعالى على عباده ـ فلا نسلّم أنّها نقص.
ومنها : أنّ الله تعالى حيثما ذكر في كتابه سؤال الرؤية استعظمه استعظاما شديدا واستكبره استكبارا بليغا حتّى سمّاه ظلما وعتوّا كبيرا ، كقوله تعالى : ( وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً )[١].
وقوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ )[٢].
والجواب : أنّ ذلك لتعنّتهم وعنادهم على ما يشعر به سياق الكلام ـ لا لطلبهم الرؤية ، ولهذا عوتبوا على طلب إنزال الملائكة عليهم والكتاب مع أنّهما من الممكنات وفاقا.
ولو سلّم ، فلطلبهم الرؤية في الدنيا وعلى طريق الجهة والمقابلة على ما عرفوا من حال الأجسام والأعراض.