فاعل القبيح غيره، فكذا الحسن لأنّا نعلم
بالضرورة أنّ فاعل القبيح هو فاعل الحسن، فإنّ الذي كذب هو الذي صدق.
أقول: اختلف أهل العدل في العلم باستناد
أفعالنا إلينا: هل هو ضروريّ أو كسبيّ؟
قال أبو الحسين بالأوّل[1]، و باقي
المشايخ بالثاني. و المصنّف رحمه اللّه لمّا اختار مذهب أبي الحسين قال: و إن قلنا
بمذهب المشايخ قلنا استدلالا على المطلوب: «إن وجد شيء من القبائح ...» إلى آخره
و هو ظاهر.
[ما أثبته الأشعريّ و سمّاه كسبا غير معقول]
قال: و الذي أثبته أبو الحسن الأشعريّ[2] و سمّاه كسبا،
و أسند وجود الفعل و عدمه إليه تعالى و لم يجعل للعبد شيئا من التأثير، غير معقول.
أقول: لمّا أورد المعتزلة على الأشاعرة
إيرادات و ألزموهم إلزامات، و بيّنوا لهم التفرقة الضروريّة بين ما يزاوله الإنسان
من الأفعال و بين ما يجده من الجمادات، حتّى قال أبو الهذيل[3] عن بشر المريسيّ[4]: حمار بشر
أعقل من بشر لأنّك إذا أتيت به إلى جدول صغير طفره[5] و إذا أتيت
إلى جدول كبير لم يطفره لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره و ما لا يقدر و بشر لم
يفرّق بين مقدوره و غير مقدوره. و حصل لهم الشبهة في إسناد
[2]عليّ بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن
الأشعريّ، مؤسّس مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة، و تلقّى مذهب المعتزلة و تقدّم
فيهم، ثمّ رجع و جاهر بخلافهم. له مصنّفات، منها: مقالات الإسلاميّين، الإبانة عن
اصول الديانة. مات سنة 324. شذرات الذهب 2: 303، الأعلام للزركليّ 4: 362.
[3]محمّد بن الهذيل بن عبد اللّه بن مكحول
العبديّ، مولى عبد القيس، أبو الهذيل العلّاف، من أئمّة المعتزلة. ولد في البصرة،
و اشتهر بعلم الكلام. له مقالات في الاعتزال، و مجالس و مناظرات. كفّ بصره في آخر
عمره، و توفّي بسامرّاء سنة 235 ه. طبقات المعتزلة: 54، شذرات الذهب 2: 85،
الأعلام للزركليّ 7: 131. نقل قوله العلّامة في «نهج الحقّ و كشف الصدق»: 101.
[4]بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن
المريسيّ العدويّ بالولاء، أبو عبد الرحمن. ففيه معتزليّ، عارف بالفلسفة. يرمى
بالزندقة. و هو رأس الطائفة المريسيّة القائلة بالإرجاء، و إليه نسبتها. أخذ الفقه
عن القاضي أبي يوسف، و قال برأى الجهميّة، و اوذي في دولة هارون الرشيد. قيل: كان
أبوه يهوديّا، و هو من أهل بغداد، ينسب إلى درب المريس.
مات سنة 218 ه. طبقات المعتزلة: 62، شذرات
الذهب 2: 44، الأعلام للزركليّ 2: 55.
[5]الطفر: الوثوب، و الطفرة الوثبة. و قيل:
الوثبة من فوق، و الطفرة إلى فوق. النهاية لابن الأثير 3: 129، المصباح المنير:
374.