الفعل إلى اللّه تعالى لا إلى العبد، راموا
الجمع بينهما فقالوا: الأفعال واقعة بقدرة اللّه و كسب العبد.
ثمّ اختلفوا في تفسير ذلك الكسب، فقال أبو الحسن
الأشعريّ- و هو الذي تنسب إليه الأشاعرة- معناه أنّ العبد إذا صمّم العزم و اختار
الطاعة أو المعصية خلق اللّه فيه الطاعة أو المعصية عقيب عزمه[1].
و قال القاضي:[2] إنّ ذات الفعل
من اللّه، و للعبد قدرة مؤثّرة في صفاته من كونه طاعة أو معصية[3].
و قال الإمام[4] منهم: إنّ
العبد إن استقلّ بإدخال شيء في الوجود بطل ما قلتم: إنّ العبد لا يؤثّر. و إن لم
يستقلّ فلا يكون كاسبا، و يكون الكلّ بقدرة اللّه تعالى[5].
[1]إنّ الأشعريّ لمّا ثبت عنده أنّ الخالق
هو اللّه تعالى، و بالضرورة أنّ لقدرة العبد و إرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة
البطش، دون البعض كحركة الارتعاش، التجأ إلى القول بأنّ اللّه تعالى قادر و العبد
كاسب. و اختلفت الأشاعرة في معنى الكسب، فقال أبو الحسن الأشعريّ: إنّ الكسب معناه
مقارنة قدرة العبد و إرادته مع إيجاد الفعل، من غير أن يكون هناك منه تأثير. و قال
في موضع: معنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة، فكلّ من وقع منه الفعل بقدرة
قديمة فهو فاعل خالق، و من وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب. مقالات الإسلاميّين 2:
196، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ: 341.
[2]القاضي أبو بكر محمّد بن الطيّب بن
محمّد بن جعفر بن القاسم، المعروف بالباقلانيّ البصريّ. من كبار متكلّمي الأشاعرة،
انتهت إليه رئاستهم في عصره. و كان كثير التطويل في المناظرة. له مصنّفات، منها:
الإنصاف، و التمهيد. مات ببغداد سنة 403 ه. شذرات الذهب 3: 168، الأعلام للزركليّ
6: 176.
[3]قال الباقلانيّ: معنى الكسب أنّ قدرة
اللّه يتعلّق بأصل الفعل و قدرة العبد بصفته، أعني بكونه طاعة أو معصية.
و بعبارة أخرى: إنّ لقدرة العبد تأثيرا في
وجوه الفعل و كونه على هيئة مخصوصة. التمهيد للباقلانيّ: 14، الملل و النحل: 89،
شرح العقائد النسفيّة: 117.
[4]هو عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف بن
محمّد الجوينيّ، أبو المعالي ركن الدين الملقّب بإمام الحرمين، من أصحاب الشافعيّ.
ولد في جوين و رحل إلى بغداد، فمكّة حيث جاور أربع سنين، و ذهب إلى المدينة فأفتى
و درّس، و لذلك سمّي بإمام الحرمين. ثمّ عاد إلى نيسابور، فبنى له الوزير نظام
الملك المدرسة النظاميّة. له مصنّفات، منها: العقيدة النظاميّة في الأركان
الإسلاميّة، الشامل في اصول الدين. مات بنيسابور سنة 478 ه. شذرات الذهب 3: 358،
الإعلام للزركليّ 4: 160.
[5]قال: إنّ الأفعال واقعة على سبيل الوجوب
بما خلقه اللّه تعالى في العبد من مبادئها من غير اختيار. الشامل في أصول الدين:
36، الملل و النحل: 90، شرح العقائد النسفيّة: 117.