اسم الکتاب : كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء - ط الحديثة المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ جعفر الجزء : 1 صفحة : 50
المنطق الفصيح ، ليتعرّض لتحصيل مطالبه ، واكتساب مأربة ، وحبّبه إلى أبيه
لاحتياجه حينئذٍ إليه ، حيث لا مُعوّل له بعد الله إلا عليه.
حتّى إذا بلغ
الكمال وملّت أهاليه من تربيته في تلك الحال ، أودعه قوّة يقتدر بها على المعاش ،
واقتناء اللباس والغطاء والفراش ، بعد أن شقّ له سمعاً قسّمه على الجانبين ، وحرسه
من لطفه بحوّاطتين تحرسانه عن وصول ما يسدّه من القذارات ، وحصّنه بمُرّ الوسخ عن
بلوغ مؤذيات الحيوانات ، وبصراً في محلّ مكشوف ، ليتمكّن من الإبصار ، وسوّره
بجفنين يحفظانه من المضارّ.
وجعل له أمعاء
وشهوة الغذاء ، ومجرى الشراب والطعام والهواء ، وأودعه قوّة جاذبة ترسل ذلك إلى
ماسكة مصحوبة بهاضمة ، مناولة لدافعة ، وخلق له مدخلاً ومخرجاً ، ويداً للبطش ،
ورجلاً للمشي ، وآلة وإمناءً ، ورحماً يحفظ تلك النطفة إلى حيث يشاء.
فتبارك الله
الذي خلق الأشياء [١] بلا مثال ، وأقام الخلائق على أحسن اعتدال ، فلو تأمّلت
في نفسك التي بين جنبيك ، وتفكّرت بجسمك الذي هو محطّ عينيك ، فضلاً عن أن توجّه
حواسّ الإدراك إلى عجيب صنع الأفلاك ، وما أحاطت به الأرضون والسماوات من عجائب
المخلوقات من الملائكة المقرّبين ، وضروب الجنّ والشياطين ، لأنبأك هذا النظام
المستقيم الجاري على النهج القويم ؛ أنّ هناك مُوجِداً لا يُعارض ، وحاكماً لا
يناقض ، عالماً بحقائق الأشياء ، قديراً على ما يشاء ، ولو دخله الجهل أو العجز
فسد النظام ، ولم يحصل للصنع ذلك الإحكام.
وعلومه
الذاتيّة نسبتها إلى المعلومات بالسويّة.
وقدرته عامّة
لجميع المقدورات ؛ لأنّها ثابتة بمقتضى الذات.
والعلم والقدرة
برهانان على حياة الجبّار. وجري الأفعال على وفق المصالح أبينُ شاهد على أنّه فاعل
مختار ، قديم أزليّ ، لم يُسبق بعدم أصليّ ، وإلا لم يكن قادراً ،