يجف ما قبله، فما دام البلل باقيا فلا حرج، و هو الظاهر من عبارة أكثر الأصحاب[1]، و في بعض
حواشي الشهيد حكاية قول ثالث جامع بين التفسيرين، و هو المتابعة اختيارا، و مراعاة
الجفاف اضطرارا.
و عندي إن
هذا هو القول الأول، لأن القائل به لا يحكم بالبطلان بمجرد الإخلال بالمتابعة ما
لم يجف البلل، فلم يبق لوجوب المتابعة معنى إلا ترتب الإثم على فواتها، و لا يعقل
تأثيم المكلف بفواتها إلا إذا كان مختارا، لامتناع التكليف بغير المقدور.
إذا تقرر
ذلك فأصح القولين هو الثاني، إذ ليس في النصوص ما ينافيه، و الموالاة بالمعنى
الأول تقتضي زيادة تكليف، و الأصل عدمه.
و قد احتج
المصنف على الأول بحجج مدخولة، و لو تمت لزم فساد الوضوء بالإخلال بالمتابعة، لعدم
تحقق الامتثال بدونها على تقدير الوجوب، لأن الامتثال إنما يتحقق إذا أتى بالمأمور
به مشتملا على جميع الأمور الواجبة فيه، و أصحاب القول الأول لا يقولون به، و هذا
من أمتن الدلائل على صحة القول الثاني، و هنا مباحث:
أ: حكى في
الذكرى[2] عن الأصحاب، في تحقيق معنى جفاف السابق و عدمه ثلاثة
أقوال: فعن ظاهر المرتضى[3]، و ابن إدريس[4] اعتبار
العضو المتقدم بغير فصل، و عن صريح ابن الجنيد[5] اشتراط
بقاء البلل في جميع ما تقدم، إلّا لضرورة، و عن ظاهر باقي الأصحاب[6] الاكتفاء
بشيء من البلل، و اطباقهم على الأخذ من شعور الوجه للمسح، و ورود الأخبار[7] بذلك يقتضي
صحة الثالث، إذ لولاه لزم
[1]
منهم: السيد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 221، و سلار في المراسم: 38
و ابن البراج في المهذب 1: 45، و ابن إدريس في السرائر: 17.