ذهب الكوفيون إلى أن واو ربّ تعمل في النكرة
الخفض بنفسها، و إليه ذهب أبو العباس المبرد من البصريين. و ذهب البصريون إلى أن
واو رب لا تعمل، و إنما العمل لربّ مقدرة.
أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إن
الواو هي العاملة لأنها نابت عن ربّ، فلما نابت عن ربّ و هي تعمل الخفض فكذلك
الواو لنيابتها عنها، و صارت كواو القسم؛ فإنها لما نابت عن الباء عملت الخفض
كالباء، فكذلك الواو هاهنا:
لما نابت عن ربّ عملت الخفض كما تعمل ربّ، و
الذي يدل على أنها ليست عاطفة أن حرف العطف لا يجوز الابتداء به، و نحن نرى الشاعر
يبتدىء بالواو في أول القصيدة، كقوله:
[236]
[166]* و بلد
عامية أعماؤه*
[236] هذا بيت من مشطور الرجز، و بعده قوله:
* كأن لون
أرضه سماؤه*
و هو من كلام رؤبة بن العجاج، و قد أنشده ابن
منظور (ع م ى) و عزاه إليه، و انظر ما ذكرناه في بحث القلب (ص 374) و الأعماء:
المجاهل، واحدها عمى- بوزن فتى- و معنى قوله «عامية أعماؤه» أن مجاهله متناهية في
العمى، و هو باب من المبالغة مثل قولهم: ليل أليل، و ليل لائل، و يوم أيوم، و شعر
شاعر، كأنهم لم يجدوا ما يصفونه به إلا أن يشتقوا له وصفا من لفظه، و كأن رؤبة قد
قال أعماؤه عامية، فقدم و أخر، و هم قلما يأتون بهذا الضرب من المبالغة إلا على طريق
الوصف كقولهم: شغل شاغل، و ليل لائل، و ما ذكرناه قريبا، لكن رؤبة قد اضطر فقدمّ و
أخّر، و قوله «كأن لون أرضه سماؤه» من المقلوب،-
[1] انظر في هذه المسألة: شرح الأشموني مع
حاشية الصبان (2/ 202 بولاق) و تصريح الشيخ خالد الأزهري (2/ 28 بولاق) و شرح
المفصل لابن يعيش (ص 1110 و ما بعدها) و شرح الرضي على الكافية (2/ 310).
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 311