اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 312
و كقول الآخر:
* و بلدة ليس
بها أنيس* [160]
و ما أشبه ذلك؛ فدل على أنها ليست عاطفة، فبان
بهذا صحة ما ذهبنا إليه.
و أما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا:
إن الواو ليست عاملة، و إن العمل لرب مقدرة، و ذلك لأن الواو حرف عطف، و حرف العطف
لا يعمل شيئا؛ لأن الحرف إنما يعمل إذا كان مختصا، و حرف العطف غير مختص؛ فوجب أن
لا يكون عاملا، و إذا لم يكن عاملا وجب أن يكون العامل ربّ مقدرة.
و الذي يدل على أنها واو العطف و أن ربّ مضمرة
بعدها أنه يجوز ظهورها معها، نحو «و ربّ بلد» و سنبيّن ذلك مستوفى في الجواب.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم
«إنها لما نابت عن رب عملت عملها كواو القسم» قلنا: هذا فاسد؛ لأنه قد جاء عنهم
الجرّ بإضمار رب من غير عوض منها، و ذلك نحو قوله:
[237]
رسم دار وقفت
في طلله
كدت أقضي
الحياة من جلله
و قال الآخر:
[238]
مثلك أو خير
تركت رذيّة
تقلّب عينيها
إذا طار طائر
- و أصله «كأن لون سمائه أرضه» و قد قدمنا
كثيرا من أمثلة القلب مع شرح الشاهد (رقم 235) و محل الاستشهاد بالبيت هنا قوله «و
بلد» فإنه يريد «و رب بلد» و ليست هذه الواو واو العطف. إذ لا معطوف عليه، بحكم أن
هذا البيت أول الأرجوزة.
[237] هذا البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر
العذري صاحب بثينة، و هو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل (ص 1110) و رضي الدين في
باب حروف الجر من شرح الكافية، و شرحه البغدادي في الخزانة (4/ 199) و ابن هشام في
مغني اللبيب (رقم 184) و في أوضح المسالك (316) و الأشموني (رقم 579) و ابن عقيل
(رقم 220) و الرسم- بفتح الراء و سكون السين- ما بقي لاصقا بالأرض من آثار الديار
كالرماد و نحوه، و الطلل- بفتح الطاء و اللام جميعا- ما بقي شاخصا مرتفعا من
آثارها كالوتد و نحوه، و قوله «من جلله» يحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون من قولهم
«فعلت كذا من جلل كذا» أي من أجله و بسببه، و الثاني: أن يكون من قولهم «فعلت كذا
من جلل كذا» أي من عظمه في نفسي، و محل الاستشهاد في البيت قوله «رسم دار» فإن
الرواية فيه بجر الرسم، و قد خرجها العلماء على أنه مجرور لفظا برب المحذوفة
الباقي عملها، قال ابن يعيش «أراد رب رسم دار، ثم حذف، لكثرة استعمالها» اه.
[238] هذا البيت من شواهد سيبويه (1/ 294) و
قد غير المؤلف في صدره تغييرا سننبه عليه، و قوله «أو خير» يريد أو خير منك، و
الرذية: فعيلة من قولهم «رذي البعير يرذي- من مثال-
اسم الکتاب : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحو البصريين و الكوفيين المؤلف : ابن الأنباري الجزء : 1 صفحة : 312