اسم الکتاب : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (سلطان العلماء) المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 7
و إياه أشكر على سبيل ما تقدم من
التركيب المفيد لانحصار (ج 1/ ص 12)
الشكر فيه لرجوع النعم كلها إليه و إن قيل للعبد فعل اختياري لأن آلاته و أسبابه
التي يقتدر بها على الفعل لا بد أن ينتهي إليه فهو الحقيق بجميع أفراد الشكر و
أردف الحمد بالشكر مع أنه لامح له أولا للتنبيه عليه بالخصوصية و لمح تمام الآية استسلاما أي انقيادا لعزته و هي غاية أخرى للشكر كما مر فإن العبد
يستعد بكمال الشكر لمعرفة المشكور و هي مستلزمة للانقياد لعزته و الخضوع لعظمته و
هو ناظر إلى قوله تعالى- وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذٰابِي لَشَدِيدٌ و لما تشتمل عليه الآية من
التخويف المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران فقد جمع صدرها و عجزها بين رتبتي
الخوف و الرجاء و قدم الرجاء لأنه سوط النفس الناطقة المحرك لها نحو الطماح و
الخوف زمامها العاطف بها عن الجماح (ج 1/ ص 14) و الشكر طوله أي من جملة فضله الواسع و
منه السابغ فإن كل ما نتعاطاه من أفعالنا مستند إلى جوارحنا و قدرتنا و إرادتنا و
سائر أسباب حركاتنا و هي بأسرها مستندة إلى جوده و مستفادة من نعمه و كذلك ما يصدر
عنا من الشكر و سائر العبادات نعمة منه فكيف تقابل نعمته بنعمته و قد روي: أن هذا
الخاطر خطر لداود ع و كذا لموسى ع فقال يا رب كيف أشكرك و أنا لا أستطيع أن أشكرك-
إلا بنعمة ثانية من نعمك و في رواية أخرى: و شكري لك نعمة أخرى توجب على الشكر لك
فأوحى الله تعالى إليه إذا عرفت هذا فقد شكرتني و في خبر آخر: إذا عرفت أن النعم
مني فقد رضيت بذلك منك شكرا حمدا و شكرا كثيرا كما
هو أهله يمكن كون الكاف في هذا التركيب زائدة مثلها
في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
لأن الغرض حمده بما هو (ج 1/ ص 15)
أهله لا بحمد يشابه الحمد الذي هو أهله و ما موصولة و هو أهله صلتها و عائدها و
التقدير الحمد و الشكر الذي هو أهله مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفة لهما أو
نكرة موصوفة بدلا من حمدا و شكرا لئلا يلزم التكرار و قد تجعل ما أيضا زائدة و
التقدير حمدا و شكرا هو أهله- و يمكن كون الكاف حرف تشبيه اعتبارا بأن الحمد الذي
هو أهله- لا يقدر عليه هذا الحامد و لا غيره بل لا يقدر عليه إلا الله تعالى كما
أشار إليه النبي ص بقوله: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك و في التشبيه
حينئذ سؤال أن يلحقه الله تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد تفضلا منه تعالى مثله
في قولهم حمدا و شكرا ملء السموات و الأرض و حمدا يفوق حمد الحامدين- و نحو ذلك-
و اختار الحمد بهذه الكلمة لما روي عن النبي ص: من قال الحمد لله كما هو أهله شغل
كتاب السماء فيقولون اللهم إنا لا نعلم الغيب فيقول تعالى اكتبوها كما قالها عبدي
و على ثوابها و أسأله تسهيل ما
اسم الکتاب : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (سلطان العلماء) المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 1 صفحة : 7