اسم الکتاب : المبدأ و المعاد المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 398
و هؤلاء المجادلة مع كمال قصورهم و عجزهم عن إدراك هذه المسائل
الحقيقية الدينية من أحوال المبدإ و المعاد، التي بها يكمل الإنسان بحسب القوانين
و بها يصل إلى سعادة النشأتين، يعادون الحكمة و المعرفة و يخاصمون الحكماء و
العرفاء.
و غاية تقويتهم الشريعة و الدين و إعانتهم و إرشادهم المسلمين أن
يقولوا، إن الحكمة ضلال و إضلال، و تعلمها بدعة و وبال، و إن علم النجوم باطل و إن
الكواكب كالجمادات، و إن الأفلاك لا حياة لها و لا نطق، و مثل قولهم، إن الطب لا
منفعة فيه، و إن الهندسة لا حقيقة لها، و إن علم المنطق و الطبيعيات كفر و زندقة،
و أهلها ملحدون و كفرة، إلى غير ذلك من مقالاتهم و هوساتهم المشحونة بالتدليس و
التلبيس التي غرضهم فيها صرف قلوب الناس عن الاشتغال بتحصيل الكمال و طلب الآخرة
بالزهد الحقيقي و عدم الرغبة إلى الجهال و الأرذال و ابتغاء معرفة الحق العزيز
المتعال بكسب العلم الحقيقي و الحال لا بمزاولة القيل و القال.
و منها، لزوم مفسدة التناسخ
كما مر ذكره، و هذه أيضا شبهة صعبة الزوال و عقدة عسر الانحلال، و
الجواب الذي ذكروا في دفعها في غاية الضعف و القصور، لا يمكن الاكتفاء بها في
تحقيق الحق، اللهم إلا بمجادلة الخصوم، و غاية ما تكلفه بعض الأعلام من الكرام في
رسالته التي لفقها في تحقيق المعاد، و هو، أن للروح الإلهي الذي هو النفس الناطقة
الفاعلة المتصرفة المدركة في البدن و الأعضاء و القوى لأنها آلات لها، ضربين من
التعلق بهذا البدن العنصري.
أولهما، أولى، و هو تعلقه بالروح الحيواني المنبعث من القلب الساري
في الشرائين.
و ثانيهما، ثانوي و هو تعلقها بالأعضاء الكثيفة، و كل صورة و نفس
تعلق بجسم إذا حان و قرب قصور و فتور في تعلقه بجزء، يشتد و يزداد توجهه و تعلقه
بالأجزاء الآخر كما لا يخفى على أولى النهى.
و بعد تمهيد هذا نقول: إن الروح الإلهي إذا لبث برهة أو مدة متعلقا
ببدن ثم انحرف مزاج الروح الحيواني و كاد أن يخرج عن صلاحية التعلق، فاشتد و ازداد
التعلق الثانوي من جانب الروح الإلهي بالأعضاء، و لهذا يرى عند قرب الموت انتقاش
ما، ثم بعد قطع العلاقة الأولى و زوال الآلات و القوى، يبقى من الباقي تعلق ما، و
بهذا يتعين الأجزاء بتعين ما، ثم عند المحشر إذا اجتمعت و تألفت تلك الأجزاء
بعينها و تمت صورة البدن
اسم الکتاب : المبدأ و المعاد المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 398