اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 440
المنام، فربما كان المحكوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس على إن
الأخرى أشد استقرارا من الموجود في المنام بحسب قلة العوائق و تجرّد النفس و صفاء
القابل.
و ليست الصورة التي ترى في المنام و لا التي تحسّ في اليقظة كما علمت
إلا المرتسمة في النفس، إلا أن إحداهما تبتدئ من باطن و تنحدر إليه، و الثانية
تبتدئ من خارج و ترتفع إليه، فإذا ارتسم في النفس ثم هناك إدراك المشاهدة و إنما
يلذّ و يؤذي بالحقيقة هذا المرتسم في النفس لا الموجود في الخارج. و كلما ارتسم في
النفس فعل فعله و إن لم يكن بسبب من خارج فإن السبب الذاتي هو هذا المرتسم، و
بالخارج هو سبب بالعرض أو سبب السبب. فهذه هي السعادة و الشقاوة الخسيستان اللتان
بالقياس إلى الأنفس الخسيسة. و أما الأنفس المقدسة فإنها تبعد عن مثل هذه الأحوال
و تتصل بكمالها بالذات و تنغمس في اللذة الحقيقية و تتبرأ عن النظر إلى ما خلفها و
إلى المملكة التي كانت لها كل التبري، و لو كان بقي فيها أثر اعتقادي أو خلقي تأذت
به و تخلفت لأجله عن درجة العليين إلى إن تنفسخ و تزول. انتهى كلامه. و يقرب منه
ما ذكره الشيخ الغزالي في بعض «مسفوراته» بقوله: إن اللذات المحسوسة الموعودة في الجنة من
أكل و نكاح يجب التصديق بها لإمكانها، و اللذات كما تقدم حسية و خيالية و عقلية:
أما الحسي: فلا يخفى معناه و إمكانه في ذلك العالم كإمكانه في هذا
العالم، فإنه بعد ردّ الروح إلى البدن و قام البرهان على إمكانه. و أما الكلام في
إن بعض هذه اللذات مما لا يرغب فيها رغبة كاملة لبعض العقلاء، كاللبن و الاستبرق و
الطلح المنضود و السدر المخضود فأن هذا مما خوطب به جماعة بعظم ذلك في أعينهم و
يشتهونه غاية الشهوة. و لكل أحد في الجنة ما يشتهيه كما قال تعالى:وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي
أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ[1].
و أما الخيالي: فلذة كما في النوم، إلا إن النوم مستحقر لأجل
انقطاعه، فلو كانت دائمة لم يظهر الفرق بين الخيالي و الحسي. لأن التذاذ الإنسان بالصورة
من حيث انطباعها في الخيال و الحس لا من حيث وجودها في خارج، فلو وجد في الخارج و
لم يوجد في حسه بالانطباع، فلا لذة له و لو بقي المنطبع في الحس و عدم في الخارج
لدامت اللذة و القوة المتخيلة قدرة على اختراع الصور في هذا العالم إلا أن