اسم الکتاب : شرح الهداية الأثيرية المؤلف : الملا صدرا الجزء : 1 صفحة : 439
ضرب لا يفي بوصفه و كنهه إلا الوحي و الشريعة و هو الجسماني باعتبار
البدن اللائق بالآخرة و خيراته و شروره و العقل لا ينكره. و ضرب يمكن تصحيحه من
جهة النظر و القياس و الشرع لا ينكره، بل ربما يشير إليه إشارات مقنعة و عبارات
مشبعة تكفي لطالب الحق و اليقين و تهدي لمن يشاء إلى صراط مستقيم كقوله تعالى:يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)[1]. و بالجملة فكل ما لا
يتوصل العقل بالدليل إلى إثبات وجوده أو عدمه و إنما يكون مع جوازه فقط، فإن
النبوة تكشف عن حاله و تفقه على وجوده أو عدمه. و لما صح عند العقل صدق النبوة،
فيتم عنده ما قصر عنه و يكمل ما نقص عن معرفته كما في قوله عليه و آله السلام: «إنيبعثت
لأتمم مكارم الأخلاق»، فتفضيل السعادة و الشقاوة الجسمانيين يطلب من القرآن و
الحديث على الوجه المفصل المشروح في مواضع عديدة منهما، لأن حقائق الأحوال
المعادية على هيئاتها و خصائص صورها و كيفياتها مما لن توقف به إلا بقدر ما خوطبنا
بذلك من الوعد و الوعيد، ثم إذا أزلنا ظاهرة عن الإحالة و الامتناع و أوقعنا
المخبر به موقع الجواز و الإمكان، و بيّنا رجحانه على دعاوى المنكرين و الخصوم في
بابه، قام التنزيل و الأخبار النبوية فيه مقام البراهين في المعاني الهندسية، و
مقام الأدلة الواضحة في المعاني الطبيعية و الإلهية، و صار العقل لقصوره عن تصور
كيفياته بعد إيقانه بوجوبه و تصديقه بما يشير به التنزيل معذورا عند خالقه و خصوصا
إذ قال عز اسمه:
و لو لا إن أحوال النشأة الثانية و تفصيل كيفياتها باب لا مطمع
للمعترف بوجوبه في الإحاطة بكنهه إلا عند قيام الساعة لما قال تعالى جدّه لرسوله
عليه و آله الصلاة و السلام:قُلْ
ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ[3]و إليه يرجع قوله تعالى:وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[4]و للشيخ الرئيس إشارة خفية في آخر «إلهياتالشفاء» إلى وجه صحة المعاد الجسماني بقوله: إن الصورة الخيالية ليست
تضعف عن الحسية، بل يزداد عليها تأثيرا و صفاء كما يشاهد في