و يؤيده ما قال الشيخ الغزالي في مشكاة الأنوار
إن الكل نوره بل لا هوية لغيره إلا بالمجاز و لا إشارة إلا إليه بل كل ما أشرت
إليه فهو بالحقيقة إشارة إليه و إن كنت لا تعرفه لفعل بك عن حقيقة الحقائق التي
ذكرناها و لا إشارة إلى نور الشمس بل إلى الشمس فكل ما في الوجود فنسبته إليه في
ظاهر المثال كنسبة النور إلى الشمس.
فإذا لا إله إلا الله توحيد العوام و لا هو إلا
هو توحيد الخواص لأنه أتم و أخص و أشمل و أحق و أدق و أدخل لصاحبه في الفردانية
المحضة و الوحدانية الصرفة فإذن قد انكشف أن مدركات الخمس كمدركات سائر القوى الإدراكية
مظاهر للهوية الإلهية التي هي المحبوب الأول و المقصود الأهم للإنسان فبعينه
يشاهده و ينظر إليه لا على وجه يعتقده الأشاعرة و بإذنه[146]
يسمع كلامه و بأنفه يشم رائحة طيبة و بجميع ظاهر يديه يلمسه لا على وجه يقوله
المجسمة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فيدرك المحبوب الحقيقي بجميع القوي و
الجوارح مع تقدس ذاته عن الأمكنة و الجهات و تجرد حقيقته عن المواد و الجسمانيات و
ما ذكرناه مما أطبق[147] عليه أهل الكشف و الشهود الذين
هم خلاصة عباد الله المعبود بل جميع الموجودات عندهم عقلاء بالمعنى المذكور عارفون
بربهم مسبحون له شاهدون لجماله سامعون لكلامه و إليه الإشارة بقوله تعالى وَ إِنْ
مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[148] إذ التسبيح و
التقديس لا يتصوران بدون المعرفة و قوله تعالى إِنَّما