قلنا: لو كان الذي خلق
العالم محدثا لوجب أن يكون قادرا، و إلّا لما صحّ منه خلق العالم، ثمّ لا يخلو من
أن يكون قادرا لنفسه أو بقدرة. و سيتبيّن أنّه لا يجوز أن يكون في الوجود قادران
يقدران لأنفسهما، فيجب أن يكون قادرا بقدرة و لا يصحّ فعل الجسم بالقدرة.
فإن قيل: لم قلتم إنّ
القادر بالقدرة لا يصحّ منه فعل الجسم؟
قلنا: لأنّه لا يتأتّى منه
الفعل إلّا إمّا في محلّ قدرته إمّا مبتدأ او متولّدا، أو خارجا عن محلّ قدرته
بسبب معدّ يفعله في محلّ قدرته، و لا يصحّ منه الاختراع، و إلّا كان يجب أن يصحّ
من القويّ منّا أنّ يمنع من هو أضعف منه من التصرّف إذا أراد منعه، و إن لم يكن
بينه و بينه مماسّة لا بواسطة و لا بغير واسطة، و المعلوم خلافه، فتحقق أنّه لا
يتمكّن من الفعل إلّا على أحد الوجوه التي ذكرناها و لا يصحّ فعل الجسم في محلّ
القدرة مبتدأ أو مسبّبا عن سبب لا يعدي الفعل عن محلّ القدرة [لأنّه يؤدّي إلى
اجتماع متحيّزين في حيّز واحد، و هو محال. و إن فعله بسبب يعدّي الفعل عن محلّ
القدرة] فذلك السبب ينبغي أن يختصّ بجهة حتّى يعدّي الفعل عن محلّ القدرة، و إلّا
لم يكن بأن يولد في بعض السماوات و الجهات أولى من بعض، و المختصّ بجهة إنّما هو
الاعتماد و أجناسه في مقدورنا و نفعلها و لا يتولّد عن شيء منها الجواهر و
الأجسام.
فثبت أنّ القادر بقدرة لا
يتأتّى منه فعل الجسم، و تحقّق أنّ الذي تولّى خلق العالم هو القديم تعالى. و إذا
ثبت قدمه ثبت كونه باقيا، إذ الباقي هو المستمرّ الوجود أو الذي لا يتجدّد وجوده
في حال الإخبار عنه بأنّه موجود على ما تقدّم. و على هذا التفسير، الباقي القديم
يكون أبقى الباقيات.
فإن قيل: هل تثبتون للباقي
بكونه باقيا حالة زائدة على كونه مستمرا لوجود؟
قلنا: لا، و الدليل عليه
أنّه لو كان له حالة زائدة على استمرار الوجود،