قلنا: أمّا أنّ القرآن ظهر
عليه و لم يسمع قبله، فلا ينازع فيه إلّا جاحد، مثل الذي ينازع في دعواه النبوّة و
الذي ينازع في وجوده. و أمّا انّه عليه السلام تحدّى العرب به فيتبيّن ببيان حقيقة
التحدّي و معناه. و ذلك لأنّ معنى التحدّي في العرف هو تحريض المدّعي، لاختصاصه و
تميّزه بامر غيره على أن يأتي بنظير ذلك الأمر إن قدر عليه و أمكنه، و الغرض به
إظهار قصوره و عجزه عن ذلك كما يقول أحدنا لغيره: أنا أطفر هذا الجدول أو أشيل هذا
الحجر و أنت لا تقدر على ذلك فيحرضه بهذا القول على تعاطي ذلك الطفر أو تلك
الإشالة و غرضه إظهار قصوره و عجزه بما ادّعى اختصاصه به. و هو تفعّل من الحداء، و
هو حثّ البعير و تعريضه على السير بالنغمات و قول الشعر.
إذا ثبت و تقرّر معنى
التحدّي، فلا شك في أنّ هذا المعنى كان من النبيّ عليه السلام، إذ كلّ من عرفه و
عرف دعواه النبوّة و ظهور القرآن عليه، عرف أنّه عليه السلام كان يفخر بالقرآن و
يدّعي تميّزه به عنهم و أنّ اللّه تعالى أنزله عليه و خصّه به، و كلّ هذا يبعث و
يحرّض العدوّ على مساواته فيما يعجز به و يدّعي التميّز لأجله فثبت و تحقّق أنّه
تحدّاهم بالقرآن. و بعد، فآيات التحدّي موجودة في القرآن مفصلة. و هي قوله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ
يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»[1] و قوله تعالى: فَلْيَأْتُوا
بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ»[2]، و قوله: «وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ
مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا
شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»[3]، و قوله: «فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ
مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ»[4].
فإن قيل: ما يؤمنكم من أن
تكون هذه الآيات زيدت في القرآن فلا يصحّ