إذا تقرّر هذا فهكذا يجب
فيما يأمر به من الألم أو يبيحه، لأنّه لا بدّ من أن يكون أمره تعالى به و إباحته
له حسنا.
و لا يحسنان إلّا لما له
يحسن إذا فعله تعالى. فلزم إثبات العوض و اللطف فيه جميعا فيه، و إلّا لم يكن أمره
به أو إباحته له حسنا.
فإن قيل: كيف تقولون فيما
يبيحه تعالى من الألم أنه يكون لطفا، و من المعلوم أنّه لو كان لطفا لكان إمّا أن
يكون لطفا في فعل واجب، او امتناع من قبيح، فيكون واجبا و لا يكون مباحا، و إمّا
أن يكون لطفا في مندوب إليه، فيكون مندوبا إليه لا مباحا، فكيف تحكمون بثبوت اللطف
في الألم المباح.
قلنا: الألم الذي ابيح
لفاعله إنّما نثبته لطفا لغير فاعله فلا يرد عليه التقسيم الذي أوردتموه من حيث
أنّ المكلّف لم يكلّف فعل ما هو لطف لغيره، و إنّما كلّف فعل ما هو لطف له و إنّما
كان يكون التقسيم واردا على قولنا أن لو قلنا إنّ الألم المباح لطف لفاعله، فحينئذ
كان يمكن أن يقال لنا: إن كان لطفا له في فعل واجب أو امتناع من قبيح كان واجبا،
لا مباحا و إن كان لطفا له في مندوب إليه كان مندوبا إليه لا مباحا.
فأمّا إذا كان لطفا لغيره
فانّه لا يرد عليه ما ذكره السائل. و لكنّه يمكن أن يقال: الألم و ان كان لطفا
لغير فاعله، كيف يكون مباحا؟ بلى لا يكون واجبا، لأن المكلّف لا يجب عليه فعل ما
هو لطف لغيره من حيث هو لطف لذلك الغير، و لكنّه قد ندب إلى نفع الغير و الاحسان
إليه. و لطف الغير نفع لذلك الغير و إذا قصد فاعله به نفعه كان محسنا إليه، و
معلوم أنّ المكلّف، مندوب إلى الاحسان إلى الغير. فعلى هذا إن كان الألم لطفا لغير
فاعله، كان مندوبا إليه فكيف يكون مباحا؟
و الجواب عن ذلك: أنّ ما
ذكره السائل و قرره إنّما يتصوّر فيما إذا علم فاعل الألم أنّه لطف لغيره فيقصد
بما يفعله من الألم نفعه و الاحسان إليه بفعل ما هو