كذلك فما حدّدنا به
التكليف جمع المعنيين، و يدخل فيه التكليف العقليّ و الشرعيّ. و هذا التحديد عند
التحقيق يرجع إلى ما قاله من حدّه بالإعلام الذي وصفناه، و إلّا فما معنى البعث، و
لكنّه لم يورد فيه التقييد الذي اعتبره ذلك الحادّ في قوله «إذا لم يبلغ الحال به
حدّ الإلجاء» اعتقادا منه بأنّ الملجأ أيضا يكون مكلّفا بما ألجأه إليه، و هذا
قريب، لأنّها أيضا مبعوث على ذلك، بالالجاء، فإذا شقّ عليه الفعل أو الترك كان
مكلّفا، و لكنّه لا يستحقّ بما يفعل أو يترك ثوابا أو عقابا و لا مدحا و لا ذمّا.
و يمكن تصحيح الحدّ الأوّل
بأن يقال: التكليف إنّما هو إرادة المريد من غيره ما يشقّ عليه، أو كراهته منه ما
يشقّ عليه الامتناع منه بشرط أن يكون أعلى رتبة فيستقيم الحدّ و لا ينتقض، و إن
اريد بالإرادة و الكراهة معنيان زائدان على الداعي و الصارف، هذا هو الكلام في حدّ
التكليف.
فأمّا حسن تكليف اللّه
تعالى إيّانا فظاهر، و ذلك لأنّه تعالى قد كلّفنا.
فلو كان التكليف قبيحا لما
فعله تعالى، و إذا لم يكن قبيحا وجب أن يكون حسنا، لأنّ فعله لا يخلو من الحسن و
القبح، على ما سبق.
أمّا وجه حسنه، فهو أنّه
تعريض للثواب الذي لا يحسن إيصاله إلى الغير إلّا بالاستحقاق بوسيلة التكليف، و قد
ثبت أنّ تعريض الشيء في حكم إيصاله، ألا ترى أنّه كما يحسن منّا التوصّل إلى
المنافع بتحمّل المشاقّ في طلبها يحسن من غيرنا أن يعرضنا لها.
و إنّما قلنا إنّه تعريض
للثواب من حيث انّه تبارك و تعالى بعثنا على تحمّل المشاقّ فيما كلّفناه فيجب أن
يقابل ذلك بمنافع بضمنها، و إلّا يحسن منه إلزامنا تحمل المشاقّ فينا، و قد علمنا
أن ما كلّفناه من الإتيان بالواجبات و المندوبات و الامتناع من المقبّحات ممّا
يستحقّ به المدح و التعظيم فيحصل للمكلّف بتحمّل المشقّة في أداء ما كلّف باستحقاق
المنفعة و التعظيم جميعا، فتحقق أنّ التّكليف