كلّ ما يصحّ أن يكون
مقدورا له و مقدور العبد بعينه يستحيل أن يكون مقدورا لغيره.
و استدلوا عليه بوجهين
اثنين:
أحدهما: أن القول بمقدور واحد بين قادرين يؤدّي إلى أحد وجوه ثلاثة كلّها
مستحيلة، و المؤدّي إلى المحال محال. و بيّنوا ذلك بأن قالوا: من حقّ القادر على
الشيء وجوب وقوعه عنه، عند إرادته له و قوّة دواعيه إليه و انتفاء ما يعارض
دواعيه من الصوارف و وجوب انتفائه عند كراهته له و اشتداد صوارفه عنه مع نفي ما
يعارضها من الدواعي. و إذا كان هذا هكذا، فلو كان مقدور بين قادرين و فرضنا إرادة
أحدهما لإيجاده و قوّة دواعيه إليه مع عدم المعارض و كراهة القادر الآخر له و قوّة
صوارفه عنه، مع عدم المعارض فلا يخلو حال ذلك المقدور من وجوه ثلاثة إمّا أن يقع
أولا يقع أو يجتمع فيه الوقوع و أن لا يقع. إن وقع كان في وقوعه إبطال حكم القادر
الذي صرفه الصارف عنه، و إن لم يقع كان فيه إبطال ما يجب للقادر الذي أراده و قويت
دواعيه إليه و كلاهما محالان. و أمّا القسم الثالث و هو اجتماع وقوعه و أن لا يقع،
فأظهر استحالة من القسمين الأوّلين، إذ هذه الاستحالة معلومة ببديهة العقل.
و اعتراض من أثبت مقدورا
بين قادرين على هذا هو أن يقول: لا أسلّم أنّ من حقّ ما يقدر عليه القادر وجوب
انتفائه بحسب صارفه و كراهته مطلقا، بل إنّما يجب ذلك إذا لم يكن ثمّ ما ينوب
منابه في إيجاده فأمّا إذا كان هناك من ينوب منابه في إيجاد ذلك و دعاه الداعي
إليه، فانّه لا يجب عدمه لمكان صارف الآخر. ما هذا الّا كثقيل بين قادرين يستقلّ
كلّ واحد منهما بحمله و إشالته، فانّه إذا كره أحدهما حمله و إشالته لم يجب أن
يبقى الثقيل غير محمول إذا دعا الآخر الداعي إلى حمله، و إنّما يجب بقاؤه غير
محمول إذا صرفهما بأجمعهما الصارف عن حمله.