اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 141
أعجزت عنه بقلة الاكتراث.
قلنا: هذا ركيك من القول لا يبوح به من شدا طرفا من الآداب، فإن العرب في تحاورها
و تفاوضها، كانت تتشمر إذا تهاجت لمعارضة الركيك من الشعر و الرصين المتين منه. و
باضطرار نعلم أن القرآن في اعتقادهم لم ينحط عن شعر لشاعر و نثر لناثر، حتى يحملهم
الازدراء به على الانكفاف عن معارضته.
كيف، و قد كان الرسول عليه
السلام و أنصاره يقولون: لو عارضتم سورة من القرآن لألقينا إليكم السلم و آثرنا
النواجز بعد التناجز، و أذعنا لكم. فإن تكن الأخرى، ألفينا ضرام الحرب، و أدمينا
مراسها و أحكمنا أساسها، و مددنا الأيدي إلى قتل النفوس و هتك السّجوف عن العواتق
العربيات.
و كيف يخطر لعاقل، و قد
ظهرت كلمة الإسلام و خففت على المسلمين الرايات و الأعلام أن يؤثر الكفار أهوالا
تشيب النواصي و أحوالا تزيل الرواسي و لا يعارضوا بسورة ازدراء بها.
فقد ثبتت المعجزة و التحدي
بها، و العجز من معارضتها، و هذا القدر مغن فيما نريده، و اللّه الموفق للصواب.
فصل
فإن قيل: أوضحوا لنا وجه الإعجاز
في القرآن، ثم بينوا القدر المعجز منه. قلنا: المرضي عندنا أن القرآن معجز لاجتماع
الجزالة مع الأسلوب و النظم المخالف لأساليب كلام العرب. فلا يستقل النظم بالإعجاز
على التجريد، و لا تستقل الجزالة أيضا.
و الدليل عليه أنا لو
قدرنا الجزالة المحضة معجزة، لم نعدم سؤالا مخيلا. إذ لو قال قائل: إذا قوبل
القرآن بخطب العرب و نثرها و أشعارها و أراجيزها، لم ينحط كلام اللّدّ البلغاء و
اللّسن الفصحاء عن جزالة القرآن، انحطاطا بينا قاطعا للأوهام. و إن ادعينا الإعجاز
في الأسلوب المحض، و النظم المخالف لضروب الكلام، فربما يتجه تقدير نظم ركيك يضاهي
نظم القرآن، كما يؤثر من ترهات مسيلمة الكذاب حيث قال: الفيل ما الفيل، و ما أدراك
ما الفيل، له ذنب وثيل و خرطوم طويل. فلا يعجز عن مثل ذلك، مع الرضى بالركيك و
الكلام المرذول الذي تمجه الأسماع. فيلزم من مجموع ما ذكرناه ربط الإعجاز بالنظم
البديع مع الجزالة.
فإن قيل: ما وجه البلاغة
في القرآن؟ و ما وجه خروج نظمه عن ضروب الكلام؟ قلنا: أما وجه البلاغة فبينة لا
خفاء بها. و البلاغة التعبير عن معنى سديد بلفظ شريف ذلق رائق، منبئ عن المقصود من
غير مزيد؛ فهذا الكلام الجزل، و المنطق الفصل. ثم البليغ من الكلام تتفنن أقسامه.
فمن جوامع الكلم الدلالة
على المعاني الكثيرة بالعبارات الوجيزة، و هذا الضرب لا يعد في القرآن كثرة.
فمنه إنباء اللّه تعالى عن
قصص الأولين، و مآل المسرفين و عواقب المهلكين، في شطر من آية،
اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 141