اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 55
بعنف فقال: «يا رجل ارفق
فقد بعث اللّه تعالى من هو خير منك إلى من هو شرّ مني فأمره بالرفق. فقال اللّه
تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
يَخْشى [طه: 44]».
و روى أبو أمامة الباهلي-
رضي اللّه عنه- أن غلاما شابّا أتى النبي صلى اللّه عليه و سلم، فقال:
أ تأذن لي بالزنا؟ فصاح
الناس به؛ فقال النبي عليه السلام: «أقرّوه أقرّوه أدن مني» فدنا منه، فقال عليه
السلام: «أ تحبه لأمّك؟» فقال: لا، جعلني اللّه فداك، قال عليه السلام: «كذلك
الناس لا يحبونه لأمهاتهم»، ثم قال: «أ تحبه لابنتك؟»، قال: لا، قال: «كذلك الناس
لا يحبونه لبناتهم»؛ حتى ذكر له الأخت و العمة و الخالة و يقول عليه السلام: «كذلك
الناس لا يحبونه»، ثم وضع يده على صدره و قال: «اللهم طهر قلبه، و اغفر ذنبه، و
حصّن فرجه»، فلم يكن بعد ذلك شيء أبغض إليه من الزنا. و قال بعضهم للفضيل: إن
سفيان بن عيينة قبل جوائز السلطان، فقال: ما أخذ منهم إلا دون حقه.
ثم خلا به و عاتبه بالرفق.
فقال: «يا أبا علي، إن لم نكن من الصالحين فإنا نحب الصالحين».
العمدة الثانية: أن يكون المحتسب
قد بدأ بنفسه فهذبها، و ترك ما ينهى عنه أولا، قال الحسن البصري: «إذا كنت تأمر
بالمعروف فكن من آخذي الناس به و إلا هلكت» فهذا هو الأولى حتى ينفع كلامه و إلا
استهزئ به. و ليس هذا شرطا، بل يجوز الاحتساب للعاصي أيضا؛ قال أنس: قلنا يا رسول
اللّه، ألا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله؟ و لا ننهى عن المنكر حتى نجتنبه كله؟
قال عليه السلام: «بلى مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به كله، و انهوا عن المنكر و
إن لم تجتنبوه كله». و قال الحسن البصري:
يريد أن لا يظفر الشيطان
منكم بهذه الخصلة، و هو أن لا تأمروا بالمعروف حتى تأتوا به كله، يعني أن هذا يؤدي
إلى حسم باب الحسبة. فمن ذا الذي يعصم عن المعاصي؟
الأصل العاشر في اتّباع
السنة:
اعلم أن مفتاح السعادة
اتباع السنة و الاقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في جميع مصادره و
موارده، و حركاته و سكناته، حتى في هيئة أكله و قيامه و نومه و كلامه. لست أقول
ذلك في آدابه في العبادات فقط؛ لأنه لا وجه لإهمال السنن الواردة فيها، بل ذلك في
جميع أمور العادات. فبذلك يحصل الاتباع المطلق؛ قال اللّه سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31]. و قال تعالى: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 55