responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 54

أن يعلم أنه إن أنكر لم يلتفت إليه و لم يترك المنكر و نظر إليه بعين الاستهزاء، و هذا هو الغالب في منكرات ترتكبها الفقهاء؛ و من يزعم أنه من أهل الدين فههنا يجوز السكوت، و لكن يستحب الزجر باللسان، إظهارا لشعار الدين، مهما لم يقدر على غير الزجر باللسان، و يجب ان يفارق ذلك الموضع، فليس يجوز مشاهدة المعصية بالاختيار؛ فمن جلس في مجلس الشرب فهو فاسق و إن لم يشرب، و من جالس مغتابا أو لابس حرير أو آكل ربا أو حرام، فهو فاسق فليقم من موضعه.

و الثاني: أن يعلم أنه يقدر على المنع من المنكر بأن يرى زجاجة فيها خمر فيرميها فتكسر، أو يسلب آلة الملاهي من يده و يضربها على الأرض. و لكن يعلم أنه يضرب أو يصاب بمكروه، فههنا يستحب الحسبة لقوله تعالى: وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلى‌ ما أَصابَكَ‌ [لقمان: 17] و لا يجب إلا أن يكون المكروه الذي يصيبه له درجات كثيرة يطول النظر فيها، ذكرناها في كتاب الأمر بالمعروف من الإحياء. و على الجملة، فلا يسقط الوجوب إلا بمكروه في بدنه بالضرب، أو في ماله بالاستهلاك، أو في جاهه بالاستخفاف به بوجه يقدح في مروءته. فأما الخوف من استيحاش المنكر عليه، و خوف تعرضه له باللسان و عداوته له، أو توهم سعيه له في المستقبل بما يسوؤه أو يحول بينه و بين زيادة خير يتوقعها، فكلّ ذلك موهومات و أمور ضعيفة لا يسقط الوجوب بها.

فصل عمدة الحسبة شيئان:

أحدهما: الرفق و اللطف و البداية بالوعظ على سبيل اللين لا على سبيل العنف، و الترفع و الإذلال بدالّة الصلاح، فإن ذلك يؤكد داعية المعصية، و يحمل العاصي على المناكرة و على الإيذاء. ثم إذا أذاه و لم يكن حسن الخلق غضب لنفسه، و ترك الإنكار للّه تعالى، و اشتغل بشفاء غليله منه، فيصير عاصيا، بل ينبغي أن يكون كارها للحسبة، يودّ لو ترك المعصية بقول غيره، فإنه إذا أحب أن يكون هو المتعرض، كان ذلك لما في نفسه من دالة الاحتساب و عزته. و قال عليه السلام: «لا يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، حليم فيما يأمر به، حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه». و وعظ المأمون- رحمة اللّه عليه- واعظ

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 54
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست