responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 56

نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]. فعليك أن تلبس السراويل قاعدا، و تتعمم قائما، و تبتدئ باليمين في تنعلك، و تأكل بيمينك، و تقلّم أظفارك و تبتدئ بمسبّحة [1] اليد اليمنى و تختم بإبهامها، و في الرجل تبتدئ بخنصر اليمنى و تختم بخنصر اليسرى، و كذلك في جميع حركاتك و سكناتك؛ فقد كان محمد بن أسلم لا يأكل البطيخ، لأنه لم ينقل إليه كيفية أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم له، و سها بعضهم فابتدأ في لبس الخف باليسرى، فكفّر عن ذلك بكرّ [2] حنطة. فلا ينبغي أن تتساهل في أمثال ذلك فتقول: هذا مما يتعلق بالعادات، فلا معنى للاتباع فيه؛ لأن ذلك يغلق عليك بابا عظيما من أبواب السعادة.

[فصل السبب المرغّب في الاتباع في هذه الأفعال‌]

لعلك تشتهي الآن الوقوف على السبب المرغّب في الاتباع في هذه الأفعال، و تستبعد أن يكون تحت ذلك أمر مهم يقتضي هذا التشديد العظيم في المخالفة. فاعلم أن ذكر السر في آحاد تلك السّنن طويل لا يحتمل هذا الكتاب شرحه. لكن ينبغي أن تفهم أن ذلك ينحصر في ثلاثة أنواع من الأسرار:

السرّ الأول: أنّا قد نبّهناك في مواضع على العلاقة التي بين الملك و الملكوت، و بين الجوارح و القلب، و كيفية تأثر القلب بعمل الجوارح، فإن القلب كالمرآة، و لا تتجلى فيه حقائق الأشياء إلا بتصقيله و تنويره و تعديله. أما تصقيله، فبإزالة خبث الشهوات و كدورة الأخلاق الذميمة. و أما تنويره فبأنوار الذكر و المعرفة، و يعين على ذلك العبادة الخالصة إذا أدّيت على كمال الخدمة بمقتضى السّنّة. و أما تعديله، فبأن يجري في جميع حركات الجوارح على قانون العدل، إذ اليد لا تصل إلى القلب حتى تقصد بتعديله و تحدث فيه هيئة معتدلة صحيحة لا اعوجاج فيها، و إنما التصرف في القلب بواسطة تعديل الجوارح و تعديل حركاتها، و لهذا كانت الدنيا مزرعة الآخرة.

و لهذا تعظم حسرة من مات قبل التعديل، لانسداد طريق التعديل بالموت، إذ تنقطع علاقة القلب عن الجوارح؛ فمهما كانت حركات الجوارح، بل حركات الخواطر أيضا موزونة بميزان العدل، حدث في القلب هيئة عادلة مستوية، تستعد لقبول الحقائق على‌


[1] المسبحة: السبّابة.

[2] الكرّ: نوع من المكاييل يساوي نحو أربعين اردبّا.

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست