اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 47
و المتواضعون أعزّاء، و
أما هذا العالم، فعالم التلبيس[1]، فقد يودع معنى الخنزير و الكلب في صورة الإنسان، فلا تغتر به، فإن
ذلك ينكشف يوم تبلى[2]
السرائر. فعليك أن تحسن صحبة رفقائك الثلاثة، فتكسر شرة[3] الشهوة بسطوة الغضب، و تقل من غلواء الغضب بخداع الشهوة، و تسلط
أحدهما على الآخر؛ فإن ذلك بليغ جدا في تقويمهما، حتى ينقادا للعقل و الشرع،
فيستعملهما العقل بحيث ينتفع بهما، كما يستعمل الصائد الفرس و الكلب عند الحاجة و
يسكنهما عند الاستغناء، و شرح هذه الرياضة و الصيد طويل ذكرناه في كتاب رياضة
النفس.
الحالة الثانية: صحبتك مع
عموم الخلق. فأقل درجات حسن الصحبة كفّ الأذى عنهم؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
و سلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده». و فوق ذلك أن تنفعهم و تحسن
إليهم؛ قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «الخلق كلهم عيال اللّه، و أحبهم إلى
اللّه أنفعهم لعياله». و فوق ذلك أن تحتمل الأذى منهم و تحسن مع ذلك إليهم، و ذلك درجة
الصّدّيقين؛ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعليّ- رضي اللّه عنه-: «إن أردت
تسبق الصّديقين فصل من قطعك، و أعط من حرمك و اعف عمن ظلمك». هذه جملة الأمر.
و تفصيل هذه الحقائق
كثيرة، و نقتصر من جملتها على عشرين وظيفة:
فمنها: أن لا تحبّ للناس
إلا ما تحب لنفسك، قال عليه السلام: «من سرّه أن يزحزح عن النار، فليأته منيته و
هو يشهد أن لا إله إلا اللّه، و أن محمدا رسول اللّه، و ليأت إلى الناس ما يحب أن
يؤتى إليه».
و منها: أن يتواضع لكل أحد
و لا يفتخر عليه، فإن اللّه لا يحب كل مختال فخور، و إن تكبّر عليه غيره فليحتمل؛
قال اللّه تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ
الْجاهِلِينَ [الأعراف: 199].
و منها: أن يوقر المشايخ و
يرحم الصبيان، قال عليه السلام: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا، و لم يوقّر كبيرنا»،
و قال عليه السلام: «من إجلال اللّه تعالى إكرام ذي