اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 139
و المسجد يعشّش أهل الدين
المحبين للّه و في اللّه. و قس على هذا سائر الأعمال، فباجتماع هذه النيات، تزكو
الأعمال، و تلتحق بأعمال المقرّبين، كما أنه بنقيضها يلتحق بأعمال الشياطين، كمن
يقصد من القعود في المسجد التحدّث بالباطل، و التفكه بأعراض الناس، و مجالسة
أخدان[1] اللهو و اللّعب، و ملاحظة من يجتاز به
من النّسوان و الصبيان، و مناظرة من ينازعه من الأقران على سبيل المباهاة و
المراءاة، باقتناص قلوب المستمعين لكلامه و ما يجري مجراه. و كذلك لا ينبغي أن
يغفل في المباحات عن حسن النية، ففي الخبر: أن العبد يسأل يوم القيامة عن كلّ شيء
حتى عن كحل عينيه، و عن فتات الطين بإصبعيه، و عن لمسه ثوب أخيه. و مثال النية في
المباحات أن من يتطيب يوم الجمعة يمكنه أن يقصد التنعم بلذته و التفاخر بإظهار
ثروته، أو التزويق للنساء و أخدان الفساد، و يتصور أن ينوي اتّباع السنّة و تعظيم
بيت اللّه تعالى، و احترام يوم الجمعة، و دفع الأذى عن غيره بدفع الرائحة الكريهة،
و إيصال الراحة إليهم بالرائحة الطيبة، و حسم باب الغيبة، إذا شموا منه رائحة
كريهة. و إلى الفريقين الإشارة بقوله صلى اللّه عليه و سلم: «من تطيب في اللّه جاء
يوم القيامة و ريحه أطيب من ريح المسك، و من تطيب لغير اللّه جاء يوم القيامة و
ريحه أنتن من الجيفة».
[فصل فى أن النية لا
تدخل تحت الاختيار]
اعلم أن النية لا تدخل تحت
الاختيار، فلا ينبغي أن تغتر فتقول بلسانك و قلبك:
نويت من القعود في المسجد
كذا و كذا؛ و تظن أنك قد نويت، إذ عرفت من قبل أن النية هي الباعث المتحرك الذي
لولاه لم يتصور وجود العمل. و النية المتكلّفة كقول القائل:
نويت أن أحب فلانا و أعشقه
و أعظّمه؛ أو نويت أن أعطش أو أجوع أو أشبع. فإن لكل هذه دواعي و صوارف، و تحقّقها
أسبابها، إذ لا يتصور حصولها دون أسبابها. و قول القائل: نويتها قبل تحققها، حديث
نفس لا نيّة. فمن وطئ لغلبة شهوة الوقاع من أين ينفعه قوله نويت الوطء لحراثة
الولد و تكثير عدد من به المباهاة، بل لا تظفر بانبعاث هذه النيات من قلبك إلا إذا
قوي إيمانك و تمّت معرفتك بحقارة الحظوظ العاجلة، و عظم ثواب الآخرة، حتى إذا غلب
ذلك عليك انبعث منك الرغبة ضرورة في كل ما هو وسيلة