اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 138
علاقة القلب من المال. و
ليس المقصود من الضحية لحومها و لا دماؤها، و لكن استشعار القلب للتقوى بتعظيم
شعائر اللّه تعالى. و النية عبارة عن نفس ميل القلب إلى الخير، فهو متمكّن من حدقة
المقصود، فهو خير من عمل الجوارح الذي إنما يراد منه سراية أثره إلى محل المقصود و
هو القلب؛ و لذلك يورث جميع أعمال القلب دون الجوارح فيه أثرا ما.
و عمل الجارحة دون حضور
القلب هباء و لا أثر له. و مهما قصد فمعالجة المعدة بما يصل من الأدوية بالشّرب
إليها أنفع لا محالة مما يطلى به ظاهر المعدة ليسري إليها أثره.
و كذلك إذا لم يسر أثر
الطلاء إلى المعدة كان باطلا. و بهذا التحقيق يعرف سر قوله صلى اللّه عليه و سلم:
«نيّة المؤمن خير من
عمله».
[فصل في فضل النية]
في فضل النية و أنها تحل
حدقة المقصود فيؤثّر فيها، فاجتهد أن تستكثر من النية في جميع أعمالك، حتى تنوي
بعمل واحد نيات كثيرة؛ و لو صدقت رغبتك هديت لطريقه. و يكفيك مثال واحد، و هو أن
الدخول في المسجد و القعود فيه عبادة. و يمكن أن تنوي فيه ثمانية أمور:
أولها: أن تعتقد أنه بيت
اللّه عز و جل، و أن داخله زائر اللّه تعالى فتنوي ذلك؛ قال عليه السلام: «من قعد
في المسجد فقد زار اللّه تعالى». و حقّ على المزور إكرام زائره، و ثانيها: نية
المرابطة، لقول اللّه تعالى: وَ صابِرُوا وَ
رابِطُوا [آل عمران 200]. و قيل معناه انتظار الصلاة بعد الصلاة. و ثالثها:
الاعتكاف، و معناه كفّ السمع و البصر و الأعضاء عن الحركات المعتادة، فإنه نوع
صوم؛ قال صلى اللّه عليه و سلم: «رهبانية أمّتي القعود في المساجد». و رابعها:
الخلوة، و رفع الشواغل للزوم السرّ للفكر في الآخرة، و كيفية الاستعداد لها. و
خامسها: التجرّد للذكر و سماعه أو إسماعه، لقوله صلى اللّه عليه و سلم: «من غدا
إلى المسجد يذكر اللّه تعالى أو يذكر به، كان كالمجاهد في سبيل اللّه تعالى:». و
سادسها:
أن يقصد إفادة علم و تنبيه
من يسيء الصلاة و نهيا عن منكر و أمرا بمعروف، حتى يتيسر بسببه خيرات و يكون
شريكا فيها. و سابعها: أن تترك الذنوب حياء من اللّه عز و جل بأن يحسن نيته في
نفسه، و قوله و عمله، حتى يستحي منه من رآه أن يقارف[1] ذنبا. و ثامنها:
أن تستفيد أخا في اللّه،
فإن ذلك غنيمة و ذخيرة لدار الآخرة.