اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 140
إلى ثواب الآخرة، و إن لم
ينبعث فلا نيّة لك. و لمثل هذا توقف السّلف في جملة من الخيرات، حتى روي أن محمد
بن سيرين لم يصلّ على جنازة الحسن البصري، و قال ليس تحضرني النيّة. و قيل لطاوس:
ادع لنا! فقال: حتى أجد له نيّة. و قال بعضهم: أنا في طلب نية لعيادة رجل منذ شهر،
فما صحّت لي نية بعد.
و من عرف حقيقة النية و
علم أنها روح العمل، فلا يتعب نفسه بعمل لا روح له، و يحقق ذلك أن المباح قد يصير
أفضل من العبادة إذا حضرت فيه نية. فمن له نية في الأكل و الشرب ليقوى على
العبادة، و ليس تنبعث له نية الصوم في الحال، فالأكل أولى له. و من ملّ العبادة و
علم أنه لو نام لعاد نشاطه، فالنوم أفضل له. بل لو علم مثلا أن الترفه بدعابة و
حديث مزاح في ساعة يرد نشاطه، فذلك أفضل له من الصلاة مع الملال.
قال صلى اللّه عليه و سلم:
«إن اللّه لا يملّ حتى تملوا». و قال أبو الدرداء: إني لأستجمّ نفسي بشيء من
اللّهو فيكون ذلك عونا لي على الحق. و قال علي- رضي اللّه عنه-: «روّحوا النفوس،
فإنها إذا أكرهت عييت». و هذه دقائق يستثقلها الظاهريون من الفقهاء، كما يستثقل
الطبيب الضعيف من الأطباء معالجة المحرور باللّحم؛ و الحاذق منهم قد يأمر به ليعود
قوة المريض حتى يحتمل الدواء النافع بعده.
الركن الثاني في إخلاص
النية:
و قد قال اللّه تعالى: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفاءَ [البينة: 5]، و قال اللّه تعالى:
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ [الزمر: 3]، و قال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا
بِاللَّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ
[النساء: 146]. و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: قال اللّه تعالى: «الإخلاص سرّ
من سرّي استودعته قلب من أحببت من عبادي». و قال- عليه السلام- لمعاذ: «أخلص
العمل، يجزك القليل منه». و قال- عليه السلام: «ما من عبد يخلص العمل أربعين يوما
إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه».
[فصل فى حقيقة
الإخلاص]
حقيقة الإخلاص تجرد الباعث
الواحد، و يضادّه الإشراك، و هو أن يشترك الباعثان، و هو كل ما يتطور أن يمازجه
غيره؛ فإن صفا من كل شوب منه يسمّى خالصا.
و قد عرفت أن النية هي
الباعث، فمن لا يعمل إلا للرياء فهو مخلص، و من لا يعمل إلا
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 140