اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 137
سواء»، و قال عليه السلام:
«من غزى و لا ينوي إلا عقالا فله ما نوى». و يقال إن رجلا في بني إسرائيل مرّ
بكثبان رمل في أيام قحط، فقال في نفسه: لو كان لي هذا الرمل طعاما لقسمته بين
الناس، فأوحى اللّه تعالى إلى نبيهم: «قل له إن اللّه تعالى قد قبل صدقتك، و شكر
حسن نيتك، و أعطاك ثواب ما لو كان طعاما فتصدّقت به». و قال عليه السلام: «إذا
التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل و المقتول في النار». فقيل: ما بال المقتول؟
فقال:
«أراد قتل صاحبه». و قال
عليه السلام: «من تزوج امرأة على صداق و هو لا ينوي أداءه فهو زان، و من أدان دينا
و هو لا ينوي قضاءه فهو سارق».
[فصل فى حقيقة النية]
حقيقة النية هي الإرادة
الباعثة للقدرة المنبعثة عن المعرفة. و بيانه أن جميع أعمالك لا تصح إلا بقدرة و
إرادة و علم؛ و العلم يهيج الإرادة، و الإرادة باعثة للقدرة، و القدرة خادمة
الإرادة بتحريك الأعضاء، مثاله: أنه خلق فيك شهوة الطّعام إلا أنها قد تكون فيك
راكدة كأنها نائمة. و إذا وقع بصرك على طعام حصلت المعرفة بالطعام، فانتهضت الشهوة
للطعام، فامتدت إليه اليد، و إنما امتدت اليد بالقوة التي فيها، المطيعة لإشارة
الشهوة، و انتهضت الشهوة بحصول المعرفة المستفادة من طليعة الحسّ. و كما خلق فيك
شهوة إلى الأشياء الحاضرة، خلق فيك أيضا ميل إلى اللذّات الآجلة ينتهض ذلك الميل
بإشارة المعرفة الحاصلة من العقل، و القدرة أيضا تخدم هذا الميل بتحريك الأعضاء، فالنية
عبارة عن الميل الجازم الباعث للقدرة، و الذي يغزو قد يكون الباعث له ميلا إلى
المال فذلك نيته، و قد يكون الباعث ميلا إلى ثواب الآخرة فذلك نيته؛ فإذا النية
عبارة عن الإرادة الباعثة، و معنى إخلاصها تصفية الباعث عن الشّوب.
[فصل النية و العمل
بهما تمام العبادة]
إذا حصل العمل بباعث
النية، فالنية و العمل بهما تمام العبادة. فالنية أحد جزئي العبادة، لكنها خير
الجزءين، لأن الأعمال بالجوارح ليست مرادة إلا لتأثيرها في القلب، ليميل إلى
الخير، و ينفر عن الشر، فيتفرغ للفكر و الذكر الموصلين له إلى الأنس و المعرفة،
اللذين هما سبب سعادته في الآخرة. فليس المقصود من وضع الجبهة على الأرض، وضع
الجبهة على الأرض، بل خضوع القلب؛ و لكن القلب يتأثر بأعمال الجوارح. و ليس
المقصود من الزكاة إزالة الملك، بل إزالة رذيلة البخل، و هو قطع
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 137