اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 136
اطّلعوا على الأسرار
بأنفسهم و شاهدوا شواهد الشرع ازدادوا نورا على نور، و العميان الجاهلون يحرمون
الوقوف على الحدود، و العثور على الأسرار جميعا، فلا هم كعبيد أتقياء، و لا كأحرار
كرام؛ و هم الذين قال فيهم: وَ لكِنْ حَقَّ
الْقَوْلُ مِنِّي ...[1]
الآية.
و قال تعالى: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى ... [الرعد:
19] الآية. و قال: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي، فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، إلى قوله: فَنَسِيتَها وَ
كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [طه: 124- 126]. و آيات
اللّه حكمته في خلقه. و قد ألقيت إلى الخلق على لسان الأنبياء- صلوات اللّه عليهم-
كما فصلت في جملة الشريعة من أولها إلى آخرها. و ما من حد من حدود الشرع إلا و فيه
سر، و خاصية، و حكمة، يعرفها من يعرفها، و ينكرها من يجهلها. و شرح ذلك طويل،
فليطلب من كتاب الشكر. و لا يتصور تمام الشكر إلا ممن قام للّه تعالى وحده، مخلصا
لا رغبة فيه لغيره؛ فلنذكر الإخلاص و الصّدق:
الأصل السادس الإخلاص و
الصدق:
اعلم أن للإخلاص حقيقة و
أصلا و كمالا، فهذه ثلاثة أركان. و أصله النيّة، إذ فيها الإخلاص. و حقيقته نفي
الشّوب[2] عن النية، و كماله الصدق.
[اركان الاخلاص]
الركن الأول النية:
و قد قال اللّه تعالى: وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ
الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: 52] و معنى
النية إرادة وجهه. و قال صلى اللّه عليه و سلم: «إنما الأعمال بالنيات ...»
الحديث. و قال: «إن الملائكة ترفع صحيفة عمل العبد فيقول اللّه تعالى: ألقوها،
فإنه لم يرد بها وجهي، و اكتبوا له كذا و كذا، فيقول الملائكة: إنه لم يعمل منها
شيئا، فيقول اللّه عز و جل: إنه نواه إنه نواه». و قال صلى اللّه عليه و سلم:
«الناس أربعة: رجل أتاه اللّه علما و مالا، فهو يعمل بعلمه في ماله، فيقول رجل: لو
آتاني اللّه ما آتاه لعملت كما يعمل، فهما في الأجر سواء، و رجل آتاه اللّه مالا،
و لم يؤته علما فهو يخبط بجهله في ماله، فيقول رجل: لو آتاني اللّه تعالى ما آتاه
لعملت كما يعمل فهما في الوزر
[1] من الآية 13 من
سورة السجدة؛ و تمامها: وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ
نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ
الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ.