responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 135

و إضمار الخير للخلق و حسن النية، و كذلك في اليد و الرجل و سائر الأعضاء و الأموال، و غير ذلك مما لا ينحصر.

فصل‌

اعلم أنه إنما يتمكن في كمال الشكر، من شرح اللّه صدره للإسلام، فهو على نور من ربه، يرى في كل شي‌ء حكمته و سره و محبوب اللّه فيه. و من لم ينكشف له ذلك فعليه باتباع السنّة و حدود الشرع، فتحتها أسرار الشكر. و ليعلم أنه لو نظر إلى غير محرم مثلا فقد كفر نعمة العين، و نعمة الشمس، و كل نعمة لا يتم النظر إليها إلا بها، فإن الإبصار إنما يتم بالعين و نور الشمس، و الشمس إنما تتم بالسماوات، فكأنه كفر أنعم اللّه تعالى في السموات و الأرض. و قس على هذا كل معصية، فإنها إنما تتمكن بأسباب تستدعي وجود جميعها خلق السموات و الأرض. و لهذا غور عميق أشرنا إليه في كتاب الشكر من كتاب الإحياء؛ و يكفيك هاهنا مثال واحد: و هو أن اللّه تعالى خلق الدراهم و الدنانير لتكون حاكمة في الأحوال كلها، يقدّر بها القيم، و لولاها لتعذرت المعاملات، إذ لا يدرى كيف يشتري الثياب بالزّعفران، و الدواب بالأطعمة، فإنها لا مناسبة بينهما، و إنما يشتركان في روح المالية. و معيار مقدار أرواحهما هو النّقدان، فمن كنزهما كان كمن حبس حاكما من حكام المسلمين حتى تعطلت الأحكام. و من اتخذ منهما آنية، كان كمن استعمل حاكما من حكام المسلمين في الحياكة و الفلاحة التي يقدر عليها كلّ أحد حتى يتعطل الحكم، و ذلك أشد من الحبس. و من أربى فيهما و جعلهما مقصد تجارته بالمصارفة بين جيّدهما و رديئهما كان كمن شغل الحاكم عن الحكم، فاتخذه سخرة لنفسه ليحتطب له، و يكنس له، و يكتسب له القوت. و كل ذلك ظلم و تغيير لحكم اللّه عز و جل في خلقه و عباده و معاداة للّه تعالى في محابه. و من لا ينكشف له بنور البصيرة هذه الأسرار، عرف على لسان الشرع صورته دون معناه، و قيل له: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‌ إلى قوله تعالى:

... يَكْنِزُونَ‌ [التوبة: 34، 35].

و قيل: «من شرب في إناء من ذهب أو فضة، فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم».

و قيل: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ‌ [البقرة:

275] الآية. فالصالحون يقفون على الحدود و لا يعرفون أسرارها، و العارفون إذا

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 135
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست