اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 134
كذلك، كنت موحّدا و تصوّر
منك الشكر، بل هذه المعرفة هي عين الشكر. قال موسى- عليه السلام- في مناجاته: إلهي
خلقت آدم بيدك و فعلت و فعلت، فكيف شكرك؟ قال:
علم أن ذلك منّي فكان
معرفة ذلك شكرا.
الركن الثاني: الحال
المستثمرة من المعرفة، و هي الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع و الإجلال. و من يرسل
إليه بعض الملوك فرسا فيتصور أن يفرح به من ثلاثة أوجه: إحداها من حيث أنه ينتفع
بالفرس، أو من حيث يستدل به على عناية الملك بشأنه، و أنه سينعم عليه بما هو أعظم
منه، أو من حيث أن الفرس يكون مركبا له حتى يسافر إلى حضرة الملك و يخدمه. و الأول
ليس من الشكر في شيء، فإنه فرح بالنعمة لا بالمنعم. و الثاني، داخل في الشكر
شيئا، لكنه ضعيف بالإضافة إلى الثالث، فكمال الشكر أن يكون الفرح بما يفتح اللّه
تعالى من نعمه، لا بالنعمة من حيث هي نعمة، بل بها من حيث إنها وسيلة إليه، إذ
بنعمته تتم الصالحات، و علامة هذا أن لا يفرح بكلّ نعمة تلهيه عن ذكر اللّه تعالى،
بل يغتمّ بها و يفرح بما زوى[1] اللّه تعالى عنه من شغل الدنيا و فضولها، و هذا أكمل الشكر. فمن لم
يستطع فعليه بالثاني. و أما الأول، ففرح بالنّعمة لا بالمنعم، و ليس ذلك من الشكر
في شيء.
الركن الثالث: العمل؛ و
ذلك بأن يستعمل نعمه في محابّه لا في معاصيه، و هذا لا يقوم به إلا من يعرف حكمة
اللّه تعالى في جميع خلقه، و أنه لما ذا خلق كل شيء؛ و شرح ذلك يطول. و قد ذكرنا
منه طرفا في الإحياء[2]،
و جملته أن يعلم مثلا أن عينه نعمة منه، فشكرها أن يستعملها في مطالعة كتاب اللّه،
و كتب العلم، و مطالعة السموات و الأرض، ليعتبر بهما و يعظم خالقها، و أن يستر كلّ
عورة يراها من المسلمين، و يستعمل أذنه في سماع الذكر، و ما ينفعه في الآخرة، و
يعرض عن الإصغاء إلى الهجر و الفضول، و يستعمل اللسان في ذكر اللّه تعالى و الحمد
له، في إظهار الشكر منه دون الشكوى؛ و من سئل عن حاله فشكى فهو عاص، لأنه شكا ملك
الملوك إلى عبد ذليل لا يقدر على شيء، فإن شكر فهو مطيع. و أما شكر القلب،
فاستعماله في الفكر و الذكر و المعرفة