لقد خفيت على الملائكة حكمة اللّه سبحانه و تعالى في بناء هذه الأرض
و عمارتها، و في تنمية الحياة و تنوعها، و في تحقيق إرادة الخالق، و ناموس الوجود
في تطويرها و ترقيتها و تعديلها على يد خليفة اللّه في أرضه هذا الذي قد يفسد
أحيانا، و قد يسفك الدماء أحيانا ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر و
أشمل، خير النمو الدائم، و الرقي الدائم خير الحركة الهادمة البانية، خير المحاولة
التي لا تكف، و التطلع الذي لا يقف و التغيير و التطوير في هذا الملك الكبير.
عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء، و الخبير بمصائر الأمور.
لقد حكم أحدهما رغباته و شهواته، و الرغبة تعمي و تصم. و كما قال
(اسبينوزا): «إنالرغبة هي التي ترينا الأشياء مليحة لا بصيرتنا».
و الحقيقة أن القارئ لتاريخ البشرية يرى أن هذه الرغبة لم يخل منها
عصر من العصور، و لا جيل من الأجيال.
فلما كانت دولة اليونان القديمة ظهر فيها علم المنطق و الجدل فوضعوا
لهما الأصول و قعدوا لهما القواعد. و كان العقلاء منهم ينظرون إلى الجدل نظرة
اشتباه و إنكار و هو الذي سموه- بعد- بالسفسطة أو ترفّقوا فسموه علم البراهين
الخطابية، و حسبوه صناعة لازمة في معرض الإقناع و التأثير.