و الإجماع على وجوب المعرفة متواتر الاكتفاء[1]إنما كان بالأدلة الإجمالية على أن جواز التبرك للبعض لا ينافي
الوجوب في الجملة[2]و احتياج طرق تحصيل غير الضروري إلى نظر ما ضروري، إذ الحكم مختص
بالأغلب و معنى إطلاق الوجوب عدم تقيده بتلك المقدمة، كوجوب الصوم بالنسبة إلى
النية و الإقامة و الحج بالنسبة إلى الإحرام و الاستطاعة و المعرفة كيفية لا معنى
لإيجابها سوى إيجاب تحصيلها و فيه إيجاب سببها قطعا، و كحز الرقبة في إيجاب القتل
و لو اكتفينا بالإجماع على وجوبه لكفينا هذه المئونات).
أي لأجل حصولها بقدر الطاقة البشرية لأنه أمر مقدور يتوقف عليه
الواجب المطلق (الذي المعرفة، و كل مقدور يتوقف عليه الواجب المطلق فهو واجب شرعا
إذ كان وجوب الواجب)[3].
المطلق شرعيا كما هو دينا أو عقلا، إن كان عقليا كما هو رأي المعتزلة
لئلا يلزم تكليف المحال، أما كون النظر مقدورا فظاهر، و أما توقف المعرفة عليه
فلأنها ليست بضرورية بل نظرية- و لا معنى للنظري إلا ما يتوقف على النظر و يتحصل
به، و أما وجوب المعرفة فعندنا بالشرع للنصوص الواردة فيه و الإجماع المنعقد عليه
و استناد جميع الواجبات إليه، و عند المعتزلة بالعقل لأنها دافعة لضرر الظنون و هو
خوف العقاب في الآخرة حيث أخبر جمع كثير بذلك، و خوف
[1]لنقله جمع خلفا عن سلف يستحيل
تواطؤهم على الكذب عادة، بل ينبغي أن يكون هذا مما تواطأت عليه ملل الإيمان جميعا.
و كيف يصح من مؤمن أن لا يقول بوجوب المعرفة التي هي الإيمان باللّه تعالى ...؟ ثم
لو سلم أن النص ظني و الإجماع لنقله الآحاد ظني أيضا، فالوجوب الشرعي يكفي فيه
الظن المفاد لما ذكر.
[2]و يجاب عن الثالث. و هو أن المعرفة
لا تتوقف على النظر حتى يجب بوجوبها لحصولها بالتعليم أو الإلهام أو قول المعصوم
أو المجاهدة و التصفية، فأجاب بأن كل هذه الأشياء تحتاج إلى نظر ضروري، لأن المعلم
يرشد إلى المقدمات و إلى وجه الدلالة، و إلى وجه دفع الشبه و الشكوك، فإذا حصل عند
المتعلم ما أرشد إليه، انتقل إلى النتيجة و الانتقال إلى النتيجة بعد إدراك الدليل
حصول عن نظر فلم يخل التعلم عن نظر ما بهذا الاعتبار. و كذا الإلهام لا يوثق به
حتى يعلم أنه من اللّه تعالى و لا يعلم أنه منه إلا بالنظر.