المبحث الرابع في التوصل بالنظر إلى معرفة اللّه تعالى
(قال:المبحث الرابع: لا خلاف بين أهل الإسلام في وجوب النظر في معرفة
اللّه تعالى لكونه مقدمة مقدورة للمعرفة الواجبة مطلقا، أما عندنا[1]فبالشرع[2]بالنص
و الإجماع[3]إذ حكم العقل معزول لما سيجيء، و أما عند المعتزلة فعقلا لكونها
دافعة لضرر خوف العقاب و غيره، ورد بمنع الخوف في الأغلب لعدم الشعور، و لو سلم
فالخوف بحالة لاحتمال الخطأ و كون العارف أحسن حالا ليس على إطلاقه بل البلاهة
أدنى إلى الخلاص، كما في الصبي و المجنون، و قد ينازع في إمكان إيجاب المعرفة لما
فيه من تحصيل الحاصل أو تكليف الغافل، و في الإجماع على وجوبها، فلقد كانوا يكتفون
بالتقليد و الانقياد و في أن النظر مقدمها فقد تحصل بمثل التعليم و الإلهام، و في
إطلاق وجوبها إذ هو مقيد بالشك أو عدم المعرفة، و في وجوب المقدمة لجواز إيجاب
الأصل مع الذهول عنها، فيجاب بأنه لا غفلة مع فهم الخطاب،
[1]أهل السنة: الذين يلتزمون بكتاب اللّه
تعالى و سنة رسوله صلّى اللّه عليه و سلم.
[2]المبعوث به النبي صلّى اللّه عليه و
سلم، و من دليل النص قوله تعالى:وَ ما كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًافإنه يدل على نفي
العقاب قبل بعثة الرسول. و نفي العقاب يستلزم نفي ملزومه و هو التكليف إذ لا عقاب
إلا مع تكليف، و نفي التكليف يستلزم نفي الوجوب فإذا هو نوع منه قبل الشرع فيكون
حصوله بالشرع إذ لا قائل بثبوته بغير العقل و الشرع، فإذا انتفى بالعقل لزم ثبوته
بالشرع و هو المطلوب و من الدليل قوله تعالى:فَاعْلَمْ
أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُلأنه أمر
بالمعرفة و كل أمر فهو للوجوب حقيقة.
[3]لقوله صلّى اللّه عليه و سلم: «أمتيلا تجتمع على
ضلالة».