ما يترتب في الدنيا على اختلاف الفرق في معرفة الصانع من المحاربات و
هلاك النفوس و تلف الأموال، و كل ما يدفع الضرر المظنون بل المشكوك واجب عقلا، كما
إذا أراد سلوك طريق فأخبر بأن فيه عدو أو سبعا ورد بمنع ظن الخوف في الأعم الأغلب
إذ لا يلزم الشعور بالاختلاف و بما يترتب عليه من الضرر و لا بالصانع و بما رتب في
الآخرة من الثواب و العقاب و الإخبار بذلك إنما يصل إلى البعض و على تقدير الوصول
لا رجحان لجانب الصدق لأن التقدير عدم معرفة الصانع و بعثة الأنبياء و دلالة
المعجزات، و لو سلم ظن الخوف فلا نسلم أن تحصيل المعرفة يدفعه لأن احتمال الخطأ
قائم، فخوف العقاب أو الاختلاف بحاله و العناء لزيادة.
فإن قيل: لا شك أن من حصل المعرفة أحسن حالا ممن لم يحصل لاتصافه
بالكمال و تحصيل الأحسن واجب في نظر العقل.
قلنا: نعم إذا حصلت المعرفة على وجهها و لا قطع بذلك بل ربما يحصل[1]و يقع في أودية الضلال فيهلك. و لهذا قيل البلاهة[2]أدنى إلى الخلاص من فطانة[3]بتراء،
هذا بعد تسليم وجوب الأحسن و تقرير السؤال على ما ذكرنا تتميم للدليل المذكور،
لبيان وجوب المعرفة، و على ما في المواقف و هو أن الناظر أحسن حالا ابتداء دليل
على وجوب النظر عقلا، و أورد على هذا الاستدلال إشكالات بعضها غير مختص به و لا
مفتقر إلى حله، لكونه منعا على مقدمات مثبتة[4]مقررة، مثل إفادة النظر العلم مطلقا و في الإلهيات و بلا معلم، و
إمكان تحقق الإجماع و نقله، و كونه حجة و بعضها مختص به مفتقر إلى دفعه.