اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 285
و ان قيل: لو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة، لكان معنى الآية: انه تعالى لا
يقلب حدقته إليهم. و معلوم أن ذلك باطل.
قلنا: لو جعلنا النظر حقيقة فى تقليب الحدقة، أمكن حمل قوله تعالى: «وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ»
على ترك الرحمة. أما لو جعلناه حقيقة فى الرؤية، لا يمكن حمله على ترك الرحمة.
فكان الأول أولى.
و الّذي يدل على ما قلناه:
أن تقليب الحدقة الى جانب الشيء لا يختاره الانسان الا اذا أحبه. و متى أحبه فانه
يرحمه ظاهرا، فحصل بين تقليب الحدقة الى جهة الشيء و بين ايصال الرحمة إليه هذه
الملازمة.
و أيضا: تقليب الحدقة الى
جهة الشيء، و ايصال الرحمة إليه، فعلان اختياريان .. فحصل بينهما هذه المشابهة و
الملازمة. و كل واحد منهما سبب مستقل لحسن المجاز. أما لو جعلنا النظر عبارة عن
الرؤية، لم يحصل بينه و بين الرحمة، لا الملازمة و لا المشاكلة.
أما الملازمة فلأنه ليس كل
ما يراه الانسان أحبه، بل الّذي يختاره الانسان فانه يحبه. لكن اختيار الرؤية، ليس
الا تقليب الحدقة نحوه.
فثبت: أن حمل النظر على
تقليب الحدقة أولى.
الحجة الثالثة: لو كان النظر عبارة عن الرؤية، لوجب أن يقال: رأيت إليه. كما يقال:
نظرت إليه. و أجمع المفسرون على أن قوله تعالى:
«أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ» [الفرقان 45]: مجاز. و
لجاز أن يقال: نظرته. كما يقال: رأيته. و لما لم يصح ذلك، علمنا: أن النظر غير
الرؤية.
الحجة الرابعة: يقال: نظرت الى الهلال فلم أره. أثبت:
النظر مع عدم الرؤية.
اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 285