اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 233
أ ليس أن الوجود فى الشاهد
و الغائب له حقيقتة واحدة، و معقول واحد، مع أن الوجود فى الشاهد متجدد، و فى
الغائب دائم؟ فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك فى المعلوم؟
و أما الشبهة الثانية- و هى قولهم: اما أن يعلم المعلومات التى لا نهاية لها بعلم واحد، أو
بعلوم متناهية، أو بعلوم غير متناهية- فنقول: هذه الشبهة بتمامها واردة عليكم فى
العالمية. و كل ما تقولونه فى العالمية، نقوله فى العلم.
ثم نقول: لم لا يجوز أن
يعلم جميع المعلومات بعلم واحد؟
و ما ذكرتموه من الوجوه فى
بيان أنه لا يجوز أن يعلم بالعلم الواحد الا معلوما واحد: فهو معارض بدليل آخر. و
هو أن العلم المتعلق بكون السواد ضد البياض مثلا، لا بد أن يكون ذلك العلم بعينه
متعلقا بالبياض و السواد، لأنه اذا لم يكن ذلك العلم المتعلق متعلقا بالسواد و
البياض، فحينئذ لا يكون متعلقا بالمضادة بين السواد و البياض. بل أقصى ما فى
الباب: أنه يكون متعلقا بالمضادة. و نحن لا نلزم الكلام فى العلم المتعلق
بالمضادة. و انما نلزم الكلام فى العلم المتعلق بمضادة السواد و البياض.
لا يقال: هب أنه حصل من هذا الدليل، أن كل معلومين يجوز[9] أن يعلم أحدهما مع الذهول عن الآخر، فانه يجوز أن يعلما بعلم واحد.
لأنا نقول: لما ثبت أن العلم المتعلق بمضادة السواد و البياض، متعلق بالسواد و
البياض معا. فلا شك أن السواد يجوز أن يعلم حال الذهول عن البياض، فلما صار السواد
و البياض معلومين بهذا العلم الواحد، حصل أن المعلومين اللذين يجوز أن يعلم أحدهما
مع الذهول عن الآخر، فانه لا يمتنع أن يعلما بعلم واحد. فثبت بهذا الدليل:
أنه لا يمتنع تعلق العلم
الواحد بالمعلومات الكثيرة.