اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 193
و اعلم: أن المخالفين فى هذه المسألة طوائف. و نحن نشير الى شبهة كل واحد
منهم اشارة خفية:
النوع الأول من
المخالفين: الذين يقولون: انه يمتنع كونه تعالى عالما بذاته.
احتجوا عليه: بأن كون الشيء
عالما بالشيء: اضافة مخصوصة بين العالم، و بين المعلوم. و هذا لا يحصل الا بين
الشيئين.
فالشيء الواحد من جميع
الوجوه يمتنع كونه عالما بنفسه. و هذا بخلاف علم الواحد منا بنفسه، فان نفس الواحد
منا ليست منزهة عن جميع جهات التركب. فلا جرم صح فى الواحد منا أن يعلم نفسه.
لا يقال: كونه تعالى
عالما، مغايرا لكونه معلوما. فلم لا يكفى هذا القدر من التغاير فى حصول علمه
بذاته؟ لأنا نقول: كونه عالما و معلوما: فرع عن قيام العلم به، و قيام العلم به:
فرع عن هذه التغاير، فيلزم وقوع الدور.
و الجواب: قد دللنا على أنه تعالى عالم بشيء ما، و كل من علم الشيء أمكنه أن
يعلم كونه عالما بذلك الشيء. و من علم ذلك فقد علم نفسه. فثبت: أنه تعالى عالم
بنفسه: قوله: «ان العلم اضافة مخصوصة، و اضافة الشيء الى نفسه محال[4]» قلنا: لا نسلم.
بدليل: أنه يصح أن يقال:
علم ذاته: حقيقته.
النوع الثانى من
المخالفين:
الذين يسلمون كونه تعالى
عالما بذاته المخصوصة، لكنهم ينكرون كونه عالما بغيره. و احتجوا عليه: بأن العلم
بأحد المعلومين: مغاير للعلم بالمعلوم الآخر، بدليل: أنه لا يصح أن يعلم كون زيد
عالما بأحد المعلومين، مع الشك فى كونه عالما بالمعلوم الآخر. و المعلوم غير
المشكوك. فكونه عالما بأحد المعلومين، يوجب أن يكون مغايرا، لكونه عالما بالمعلوم
الآخر.