اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 189
أردتم الأول فهو مسلم. لكن
لا نسلم أن فعل من كان مطابقا للمصلحة من بعض الوجوه، يدل على كون الفاعل عالما.
لأن الأفعال الصادرة عن النائم و الساهى، قد تكون مطابقة للمصلحة من بعض الوجوه،
مع انها لا تدل على علم فاعلها البتة. و ان أردتم الثانى، فلا نسلم أن هذه الحوادث
و التركيبات مطابقة للمصلحة من كل الوجوه. و ظاهر أن الأمر ليس كذلك. فانه لا شيء
من مفردات هذا العالم و مركباته.
الا و هو مصلحة من وجه و
مفسدة من وجه آخر.
نزلنا عن مقام الاستفسار،
لكن لا نسلم أن الفعل المحكم يدل على كون فاعله عالما.
و الدليل عليه وجوه: الأول: و هو أن البيوت المسدسة
التى بنتها النحل من غير مسطرة و لا بركار، لا يقدر عليها الانسان. و البيت الّذي
يتخذه العنكبوت من تلك الخيوط من غير شيء من الآلات و الأدوات لا يقدر عليه
الانسان.
فلو دل ذلك على علم
الفاعل، لزم أن تكون هذه الحيوانات أكثر علما من الانسان. و معلوم أن ذلك باطل.
الثانى: و هو أن الفعل المحكم المتقن قد يصدر مرة واحدة من الجاهل. و هذا
مشاهد. و اذا جاز صدوره مرة واحدة، جاز صدوره ثانيا و ثالثا. لأن الأشياء المتماثلة
حكمها حكم واحد. و اذا كان كذلك، بطلت دلالة الفعل المحكم على علم الفاعل.
سلمنا: أن فاعل الفعل المحكم لا بد له من ادراك و شعور، لكن لم لا يكفى فيه
الظن؟ و لم قلتم: انه لا بد له من العلم؟ و الدليل عليه:
هو أن أكثر هذه الأفاعيل
العجيبة الصادرة من الناس، انما تصدر عنهم حال كونهم ظانين، لا حال كونهم قاطعين.
أقصى ما فى الباب: أن يقال: أن الظان قد يخطئ كثيرا، الا أنا نقول: المصالح
الحاصلة فى تركيبات هذا العالم غير خالية عن المفاسد. و لعل هذه المفاسد انما وقعت
لأجل أن فاعلها ظان لا عالم.
اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 189