اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 121
أن العقل هو الموجب من حيث أنه بسماع كلامه و دعواه يتوقع
عقابا فيحمله العقل على الحذر و لا يحصل إلا بالنظر فيوجب عليه النظر. قلنا: الحق الذي
يكشف الغطاء في هذا من غير اتباع و هم و تقليد أمر هو أن الوجوب كما بان عبارة عن نوع
رجحان في الفعل، و الموجب هو اللّه تعالى لأنه هو المرجح، و الرسول مخبر عن الترجيح،
و المعجزة دليل على صدقه في الخبر، و النظر سبب في معرفة الصدق، و العقل آلة النظر،
و الفهم معنى الخبر، و الطبع مستحث على الحذر بعد فهم المحذور بالعقل، فلا بد من طبع
يخالفه العقوبة للدعوة و يوافقه الثواب الموعود ليكون مستحثا، و لكن لا يستحث ما لم
يفهم المحذور و لم يقدره ظنا أو علما، و لا يفهم إلا بالعقل و العقل لا يفهم الترجيح
بنفسه بل بسماعه من الرسول، و الرسول لا يرجح الفعل على الترك بنفسه بل اللّه هو المرجح
و الرسول مخبر، و صدق الرسول لا يظهر بنفسه بل المعجز، و المعجزة لا تدل ما لم ينظر
فيها، و النظر بالعقل، فإذا قد انكشفت المعاني، و الصحيح في الألفاظ أن يقال: الوجوب
هو الرجحان و الموجب هو اللّه تعالى، و المخبر هو الرسول، المعرف للمحذور و صدق الرسول
هو العقل، و المستحث على سلوك سبب الخلاص و هو الطبع، و كذلك ينبغي أن يفهم الحق في
هذه المسألة و لا يلتفت إلى الكلام المعتاد الذي لا يشفي الغليل و لا يزيل الغموض.
الدعوى السابعة:
ندعي أن بعثة الأنبياء جائز، و ليس بمحال و لا واجب، و
قالت المعتزلة إنه واجب، و قد سبق وجه الرد عليهم، و قالت البراهمة إنه محال. و برهان
الجواز أنه مهما قام الدليل على أن اللّه تعالى متكلم و قام الدليل على أنه قادر لا
يعجز على أن يدل على كلام النفس بخلق ألفاظ و أصوات و رقوم أو غيرها من الدلالات، و
قد قام دليل على جواز إرسال الرسل، فإنا لسنا نعني به إلا أن يقوم بذات اللّه تعالى
خبر عن الأمر النافع في الآخرة و الأمر الضار
اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 121