اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 120
و العقل لا يوجب، و يستحيل أن يكون مدركه الشرع، و الشرع
لا يثبت إلا بالنظر في المعجزة و لا يجب النظر قبل ثبوت الشرع فيؤدي إلى أن لا يظهر
صحة النبوة أصلا، و الجواب أن هذا السؤال مصدره الجهل بحقيقة الوجوب، و قد بينا أن
معنى الوجوب ترجيح جانب الفعل على الترك بدفع ضرر موهوم في الترك أو معلوم، و إذا كان
هذا هو الوجوب فالموجب هو المرجح و هو اللّه تعالى، فإنه إذا ناط العقاب بترك النظر
ترجح فعله على تركه، و معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم إنه واجب مرجح يترجح اللّه
تعالى في ربطه العقاب بأحدهما، و أما المدرك فعبارة عن جهة معرفة الوجوب لا عن نفس
الوجوب، و ليس شرط الواجب أن يكون وجوبه معلوما، بل أن يكون علمه متمكنا لمن أراده،
فيقول النبي إن الكفر سم مهلك و الإيمان شفاء مسعد بأن جعل اللّه تعالى أحدهما مسعدا
و الآخر مهلكا، و لست أوجب عليك شيئا، فزن الايجاب هو الترجيح و المرجح هو اللّه تعالى
و إنما أنا مخبر عن كونه سم و مرشد لك إلى طريق تعرف به صدقي و هو النظر في المعجزة،
فإن سلكت الطريق عرفت و نجوت؛ و إن تركت هلكت.
مثاله مثال طبيب انتهى إلى مريض و هو متردد بين دواءين
موضوعين بين يديه، فقال له أما هذا فلا تتناوله فإنه لهلك للحيوان و أنت قادر على معرفته
بأن تطعمه هذا السنور فيموت على الفور فيظهر لك ما قلته، و أما هذا ففيه شفاؤك و أنت
قادر على معرفته بالتجربات و هو إن تشربه فتشفى فلا فرق في حقي و لا في حق أستاذي بين
أن يهلك أو يشفى فإن أستاذي غني عن بقائك و أنا أيضا كذلك، فعند هذا لو قال المريض
هذا يجب علي بالعقل أو بقولك و ما لم يظهر لي هذا لم أشتغل بالتجربة كان مهلكا نفسه
و لم يكن عليه ضرر، فكذلك النبي قد أخبره اللّه تعالى بأن الطاعة شفاء و المعصية داء
و أن الإيمان مسعد و الكفر مهلك و أخبره بأنه غني عن العالمين سعدوا أم شقوا فإنما
شأن الرسول أن يبلغ و يرشد إلى طريقة المعرفة و ينصرف، فمن نظر فلنفسه و من قصر فعليها،
و هذا واضح، فان قيل: فقد رجع الأمر إلى
اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 120