اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 122
بحكم إجراء العادة، و يصدر منه فعل هو دلالة الشخص على
ذلك الخبر و على أمره بتبليغ الخبر، و يصدر منه فعل خارق للعادة مقرونا بدعوى ذلك الشخص
الرسالة، فليس شيء من ذلك محالا لذاته، فإنه يرجع إلى كلام النفس و إلى اختراع ما
هو دلالة على الكلام و ما هو مصدق للرسول و إن حكم باستحالة ذلك من حيث الاستقباح و
الاستحسان، فقد استأصلنا هذا الأصل في حق اللّه تعالى ثم لا يمكن أن يدعي قبح إرسال
الرسول على قانون الاستقباح، فالمعتزلة مع المصير إلى ذلك لم يستقبحوا هذا فليس إدراك
قبحه و لا إدراك امتناعه في ذاته ضروريا فلا بد من ذكر سببه، و غاية ما هو به ثلاثة
شبه:
الأولى: قولهم: إنه لو بعث النبي بما تقتضيه العقول ففي
العقول غنية عنه و بعثة الرسول عبث، و ذلك و على اللّه محال، و إن بعث بما يخالف العقول
استحال التصديق و القبول.
الثانية: إنه يستحيل العبث لأنه يستحيل تعريف صدقه، لأن
اللّه تعالى لو شافه الخلق بتصديقه و كلمهم جهارا فلا حاجة إلى رسول، و إن لم يشافه
به فغايته الدلالة على صدقه بفعل خارق للعادة، و لا يتميز ذلك عن السحر و الطلسمات
و عجائب الخواص و هي خارقة للعادات عند من لا يعرفها، و إذا استويا في خرق العادة لم
يؤمن ذلك فلا يحصل العلم بالتصديق.
الثالثة: إنه إن عرف تمييزها عن السحر و الطلسمات و التخيلات
فمن أين يعرف الصدق؟ و لعل اللّه تعالى أراد إضلالنا و إغواءنا بتصديقه و لعل كل ما
قال النبي إنه مسعد فهو مشقي، و كلما قال مشقي فهو مسعد، و لكن اللّه أراد أن يسوقنا
إلى الهلاك و يغوينا بقول الرسول، فإن الإضلال و الإغواء غير محال على اللّه تعالى
عندكم، إذ العقل لا يحسن و لا يقبح؛ و هذه أقوى شبهة ينبغي أن يجادل بها المعتزلي عند
رومه إلزام القول بتقبيح العقل، إذ يقول: إن لم يكن الاغواء قبيحا فلا يعرف صدق الرسل
قط
اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 122