اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 103
و لا يكون صدوره من صاحبه أولى من تركه لا يسمى واجبا
و إن ترجح و كان أولا لا يسميه أيضا بكل ترجيح بل لا بد من خصوص ترجيح.
و معلوم أن الفعل قد يكون بحيث يعلم أنه يعلم أنه نستعقب
تركه ضررا، أو يتوهم، و ذلك الضرر إما عاجل في الدنيا و إما آجل في العاقبة، و هو إما
قريب محتمل و إما عظيم لا يطاق مثله، فانقسام الفعل و وجوه ترجحه لهذه الأقسام ثابت
في العقل من غير لفظ فلنرجع إلى اللفظ فنقول:
معلوم أن ما فيه ضرر قريب محتمل لا يسمى واجبا؛ إذ العطشان
إذا لم يبادر الى شرب الماء تضرر تضررا قريبا و لا يقال إن الشرب عليه واجب، و معلوم
أن ما لا ضرر فيه أصلا و لكن في فعله فائدة لا يسمى واجبا، فان التجارة و اكتساب المال
و النوافل فيه فائدة و لا يسمى واجبا، بل المخصوص باسم الواجب ما في تركه ضرر ظاهر
فإن كان ذلك في العاقبة أعني الآخرة، و عرف بالشرع فنحن نسميه واجبا، و إن كان ذلك
في الدنيا و عرف بالعقل فقد يسمى أيضا ذلك واجبا، فإن من لا يعتقد الشرع قد يقول واجب
على الجائع الذي يموت من الجوع أن يأكل إذا وجد الخبز و نعني بوجوب الأكل ترجح فعله
على تركه بما يتعلق من الضرر بتركه، و لسنا نحرم هذا الاصطلاح بالشرع فإن الاصطلاحات
مباحة لا حجر فيها للشرع و لا للعقل، و إنما تمنع منه اللغة إذا لم يكن على وفق الموضوع
المعروف فقد تحصلنا على معنيين للواجب و رجع كلاهما إلى التعرض للضرر و كان أحدهما
أعم لا يختص بالآخرة، و الآخر أخص و هو اصطلاحنا، و قد يطلق الواجب بمعنى ثالث و هو
الذي يؤدي عدم وقوعه إلى أمر محال، كما يقال: ما علم وقوعه فوقوعه واجب، و معناه أنه
إن لم يقع يؤدي إلى أن ينقلب العلم جهلا و ذلك محال، فيكون معنى وجوبه أن ضده محال،
فليسمّ هذا المعنى الثالث الواجب.
و أما الحسن فحظ المعنى منه أن الفعل في حق الفاعل ينقسم
إلى ثلاثة أقسام أحدها أن توافقه أي تلائم غرضه، و الثاني أن ينافر غرضه، و الثالث
اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 103