قالوا: قد ثبت أن البارى- تعالى- عالم بالأشياء.
و من علم شيئا يستحيل أن لا يخبر عنه؛ فالعلم بالشيء، و الخبر عنه متلازمان؛ فلا علم
إلا بخبر، و لا خبر إلا بعلم.
و هو بعيد عن التحقيق أيضا؛ فإن الخصم قد
لا يسلم ملازمة الإخبار عن الشيء للعلم به؛ فإن الإخبار عن الشيء يلازمه العلم به
ضرورة. فلو لزم من كون الإخبار عن الشيء معلوما، أن يخبر عنه؛ لزم الإخبار عن الخبر
الأول، و هلم جرا، إلى ما لا يتناهى؛ و ذلك مما يحسن من النفس بطلانه. ثم و إن قدر
ملازمة الإخبار عن الشيء، للعلم به، و لكن الخبر الّذي هو عبارة عن العبارة، أو عبارة
عن معنى قائم بالنفس، غير العلم بالشيء، و الإرادة له. الأول: مسلم، و لكن لا يلزم
أن يكون قائما بنفس البارى- تعالى- على مذهب هذا الدال، و الثانى: ممنوع.
ثم و إن سلم أن الخبر النفسانى يكون ملازما
للعلم بالشيء، و لكن مطلقا، أو في حق الخالق دون المخلوق. الأول: ممتنع؛ لما فيه من
المصادرة على المطلوب، و الثانى:
مسلم؛ و لكن لا يلزم مثله في حق الرب
[2]- تعالى؛ لجواز أن يكون الحدوث شرطا في الملازمة، أو القدم مانعا منها.
قالوا: البارى- تعالى- يجب أن يكون حيا؛
لما سنبينه [4]، و الحى قابل للكلام، و كل ما قبل شيئا، فإن خلا عنه؛ فلا يتصور خلوه
عن ضد من أضداده، و أضداد الكلام من صفات النقص، و ذلك كالغفلة، و البهيمية، و الخرس،
و نحوه؛ فلا يكون البارى- تعالى- متصفا بها.
[1] نسب الشهرستانى هذا المسلك إلى الأسفرايينى
انظر نهاية الأقدام ص 269. [2] فى ب (البارى). [3] انظر اللمع للأشعرى ص 36؛ حيث يورد
الأشعرى هذا الدليل. ثم انظر نهاية الأقدام للشهرستانى ص 268؛ حيث يذكر هذا المسلك
و يسميه طريق الأشعرية. ثم انظر الفصل لابن حزم 3/ 9. [4] فى ب (سيأتى). انظر ل 111/ أ و ما بعدها.
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 370