اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 159
و إما بطريق السلوك و الرياضة، و تصفية النفس
و تكميل جوهرها، حتى تصير متصلة بالعوالم العلوية عالمة بها، مطلعة على ما ظهر و بطن
من غير احتياج إلى دليل، و لا تعلم، و لا تعليم. على ما سيأتى تحقيقه في النبوات
[1].
سلمنا أنه لا طريق إلى معرفة الله- تعالى-
إلا بالنظر؛ و لكن لا نسلم أن ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب.
و يدل عليه أنه لا تحقق للمعرفة دون وجود
الدليل المنصوب عليها، و انتفاء الأضداد المانعة منها، و أن يكون العارف بها موجودا،
حيا، عاقلا. و ليس شيء من ذلك واجبا، لعدم القدرة عليه.
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب النّظر؛
لكن معنا ما يدل على أنه ليس واجبا.
و بيانه من أربعة أوجه.
الأول: أنه لم ينقل عن النبي- صلى اللّه
عليه و سلم- و لا عن الصحابة. الخوض في النظر و الاستدلال في مسائل الكلام، و تفاصيلها.
و لو خاضوا في ذلك؛ لنقل عنهم: كما نقل عنهم الخوض و البحث في المسائل الفقهية على
اختلاف أصنافها، و لو كان النظر المؤدى إلى ذلك واجبا؛ كان الصحابة و التابعون، أولى
بالمحافظة عليه؛ فحيث لم ينقل عنهم ذلك؛ دلّ على أنه غير واجب.
الثانى: إنكار النبي- صلى اللّه عليه و سلم-
على البحث في هذه المسائل و النظر فيها؛ حيث أنكر على الصحابة و قد رآهم يتكلمون في
القدر و قال: «إنّما هلك من كان قبلكم؛ لخوضهم في هذا [2]» و قال أيضا: «عليكم بدين
العجائز [3]». و هو الكف عن النظر. إلى غير ذلك، و تابعه على ذلك: الصحابة، و التابعون،
و الأئمة المجتهدون. و الأخبار المأثورة عنهم في ذلك أكثر من أن تحصى.
[1] انظر الجزء الثانى من الأبكار 128/
أ و ما بعدها. [2] الموجود بهذا اللفظ. «إنما هلك من كان
قبلكم لسؤالهم أنبياءهم و اختلافهم عليهم، و لن يؤمن أحد حتى يؤمن بالقدر خيره و شره»
عن عمرو رضى الله عنه. المعجم الكبير للطبرانى. [3] «عليكم بدين العجائز» قال السخاوى:
لا أصل له بهذا اللفظ. و ورد بمعناه أحاديث لا تخلو عن ضعف. [انظر الأسرار المرفوعة
في الأخبار الموضوعة. المعروف بالموضوعات الكبرى للملا على القارى. ط المكتب الإسلامى
ط 2 سنة 1986 ص 248] و انظر ما ذكره الآمدي عنه في ل 29/ أ.
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 159