فلو كان في المجاهدين من هو أوفر فضلاً من أبي الفضل العبّاس لكان هذا الدعاء، أو الإخبار عن أمره شططاً من القول، خارجاً عن ميزان العدل، تعالى عنه كلام المعصوم، فإذن لم يكن غيره من المجاهدين مطلقاً أوفر فضلاً، ولا أكثر جزاءً، ولا أوفى بيعة إلاّ من أخرجه الدليل من الأئمة المعصومين.
ثُمّ إنّ هناك مرتبة أُخرى ثبتت لأبي الفضل، خصّه بها الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: " أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود، فبعثك اللّه في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً "[1].
فإنّ المبالغة في أمثال المقام عبارة عن بلوغ الأمر إلى حدوده اللازمة، وكم له من نظير في استعمالات العرب ومحاوراتهم. ولا شكّ أنّ كُلِّ واحد من شهداء الطفّ قد بالغ في النصيحة، ولم يأل جهداً في أداء ما وجب عليه، ولكُلِّ منهم في ذلك المشهد الدامي شواهد من أقواله وأعماله.
ومن المسلّم أنّ المعروف بقدر المعرفة كماً وكيفاً، فصاحب السنام الأرفع في العرفان المتربّع على أعلى منصّة من الإيمان لا بدّ وأن يقاسي أشد ضروب الجهاد، ويتظاهر بأجمل مظاهرها، من الدؤوب على الحرب والضرب، وإن طال المدى، وبعد الأمد، إن كان الجهاد نضالاً، كما لا بدَّ له من المثابرة على مكافحة النفس